
لـواء رُكن (م) د. يونس محمود: الضعين، الصيف ضيّعت اللبن
لـواء رُكن (م) د. يونس محمود
مناسبة المثل أنَّ امرأةً في الجاهلية إسمها دختنوس تزوّجها عمرو بن عداس وهو شيخٌ كبير، لكنّه شهمٌ كريم فضجرت معيشتها وتطلّقت، ثُم تزوّجت بغيرهِ فشقت عليها الحياة، فجاءت تطلب اللبن من زوجها السابق فقال لها: ( *الصيف ضيّعت اللبن* ) فجرى المثل لمن يضيع خيرًا أتاه بسبب طمعه وقلة رضاه.
حينما وقف ناظر الرزيقات ( *الغشيم* ) محمود موسى مادبو وسط حشدٍ من أهله قُبيل الحرب بأشهر قلائل تستعر فيه نار القبلية ويملؤه العُجُب، ولعلّه كان على علم بما عزم عليه ( حميدتي ) قال قولته الشهيرة مهددًا أهل الخرطوم أجمعين بأنه سيطويها في خمسة دقايق لولا بقية من أهله ( *العطاوة والجنيدية* ) يخشى أن تصيبهم معرة بغير علم،
واضح أنّ الرجل كان قد أسند ظهره إلى رتلٍ من حديد آلاف التاتشرات المدجّجة، وجنود مجنّدة حشوهم حقد، وسربالهم كراهية، تم تهيئتهم للإنقضاض بلا رحمةٍ على دولة ٥٦، الإنسان والإرث والمقتنى، ودرّبوهم على القتل والسلخ، والسحل، والأسر بلا رحمة، وقد شهد الناس بيان بالعمل خلال سنوات الحرب، شهدوا ما عليه الجنجويد من نزعة وحشية غير مسبوقة.
وهم يجتاحون المُدن، ويقتحمون القُرى ويمعنون في إذلال الناس تنفيسًا لغضبٍ موروث، أو حقدٍ مغروس فيهم، أو حالات تلبّس شيطاني يؤزهم لفعل المنكرات.
وناظر الرزيقات وعُمده وشيوخ خطّه وناظر المسيرية الذي لم يرث من حكمة بابو نمر شيئًا كلّهم صدّق نبوءة حميدتي، وأنه سيمتلك السودان، ويعطيهم منه حتى يرضيهم، وقد كان أول العطايا هي المنهوبات التي وصلت الضعين، من السيارات الفارهة المنهوبة، والذهب المسروق، وثياب البوتيكات، ودواليب البيوت،
لدرجة إقامة حفل ( *عرض أزياء* ) نعم عرض أزياء في الضعين، والممشي كان شلوًا من سجّاد ( *مسجد* ) أحمر ، طالما لامسته جباه الساجدين، وهمست عبره شفاه المتبلتين، داسته أم قرون بنعالٍ مسروق، ومشية شتراء، والناظر الغشيم ينظّر بالضرورة، هذا إن لم يفتتح الحفل بآيات بيّنات من كتاب الله، ولعلّه قد وصلت إليه باقة من سبايا بنات الجلّابة ليؤنس وحشة ليلهِ الآثم، وقد تعلّقت آمالهم بأخبار الأشاوذ وهم يجوبون ( *دار صباح* ) ، تنبسط أساريرهم كلما وردت إليهم أنباء القسر والتهجير وروايات البطولة والجرأة التي يفتكون بها بالناس هناك.
لم يدر بخلد هذا الغشيم أبدًا أنَّ الأمر قد يسوء و( *الهوا قد قلب* ) ولذلك لم يترك خطًّا للرجعة، ولا حبلًا للتواصل، فقط يفرك يديه في قلقٍ خشن ينتظر إقتحام الشمالية ومرأى الاشاوذ بين مسالك مروي المُزهرة الخضراء يحرقون نخيلها، ويؤذون أهلها نكايةً في الرمزية والدلالة.
ولكن ما هي إلّا سنتين عجفاوين حتى جاء الغوث والفرج وإذا بالضعين ونيالا تستقبلان الجموع الفارّة المعرّدة وهُم في ذهولٍ وإضطراب وهذيان، وألف سؤال يطيشُ من أفواه القوم والحكّامات وأم قرون ( *مالكم جيتو بسراع كدا ،، إن شاء الله خير ؟؟* )
فيأتي الجواب الصاعق خير !!!
أيّ خيرٍ وقد رأينا من هول الحرب وبأس جيش ( *الفلول* ) ما لا طاقةَ لنا به وهم الآن وراءنا، أمّنوا دار صباح كلها. ووصلت طلائعهم إلى الخوي وفي طريقهم للنهود، ووصلوا الدبيبات وإتصلوا بالدلنج وفي طريقهم للمُجلد وأبو زبد واستولوا على العطرون وأمّنوا الحدود شمالًا، وعزّزوا وضع الفاشر، وفي الطريق إلى الجنينة.
نعم هذا وزيادة فما أنتم فاعلون؟ وعليه تمّت الدعوة للإجتماع الخطير المسرّب، تسرّبت الوقائع برغم الإحتياط بأن لا يحضره ( *زرقاوي* ) من المليشيا طبعًا، لا زغاوي ولا برتاوي ولا غيرهم؛ لأنهم يفشون الأسرار.
ومع هذا الإحتياط تفشّى الخبر ( *خبر الخوف* ) وذاع وعمَّ القُرى والحَضر، حيثُ إنصبّ الحديث فيه عن التدابير الحمائية لمدينة الضعين، وكيفية الدفاع عنها وضرورة الإستنفار والتعبئة، والتبرّع بالمال والعربات، وهذه مقالات العُمد ( *محمد الحاج مرانو – حسن عبد المجيد – إبراهيم بخيت*) في حضرة وكيل الناظر الفاضل.
إنه الرُعب يا سادة، الذي أمضاه رب العزة القويّ مسيرةً طويلة بين يدي متحرّك الصـيّاد، هذا الإسم المبارك، بورك من سُمي عليه ( *الملازم أول محمد عبدالله بدوي الصيـّاد*).
أهذه إذًا حال الضعين عاصمة السودان الجديد، ومركز القرار، تجبى إليها ثمرات كل شئ لأنها منشأ التمرّد، وحرز الحيّة، ترتجف وتستدعي نفسها على عجلٍ لتبتغي نفقًا في الأرض، أو سلمًا في السماء، فتنجو من غضبة الصيّاد الذي يستهدف رؤوس الفتنة، الناظر الغشيم وعُمد السوء وحَملة السلاح من الجنجويد، والصيّاد بالغٌ أهدافه بقوّة الله وحوله، ثُمّ جهد وجهاد أبـناء السودان في الجيش والمشتركة، وبقيّة قوات الإسـناد.
ردّد المجتمعون مقالات المجاهدين ناجي عبد الله وناجي مصطفى وهما من رموز الصادقين.
الآن الضعين تبحثُ عن لبن الصيف الذي كانت تعوم فيه والأمن الذي كانت تنعم به، حياة سهلة، ومدارس، وجامعة وكليّات، وخدمات صحيّة مجانية، وحُكم محلّي، وعاصمة قرارها الإداري والسياسي، وحِلّها وترحالها، ومطارها، وأسواقها العامرة بالبضائع وطُرقها، وسمر لياليها، وسباق خيولها وإنتمائها للوطن الكبير الجميل، أيام اللواء أنس ، الأسير عندهم الآن يكافئون خيره بشرهم ،
كل هذا أضاعته الضعين أو قُلْ ( *الضائعين* ) بسبب الطمع ( *الودّر ما جَمع* )
وبسبب الإغترار بمعيّة ( *حميدتي* ) وجيشه
فأين حميدتي الآن؟
لا أحد يعلم، هو نفسه لا يعلم مالذي أصابه وأرداه من حالٍ إلى هذه الحال !!
فالقول الفصل لناظر الرزيقات ومن معه : خليكم على كده ؛ فقد ضيّعت الصيف اللبن.
خُمّوا ،،، وصُرّوا ،،،
*الصيـّاد مُرعب الجنجويد*
*ولا غالبَ إلّا الله*