للعطر افتضاح ..د. مزمل أبو القاسم
إريتريا.. (زاد الحِبَّان)!
* أطنب رفقاء رحلة إريتريا في ذكر مناقبها، ولم يتركوا شاردةً أو واردةً عنها إلا أحصوها ورصدوها، ومع ذلك سنكتب عن إريتريا وأهلها (بزاد الحِبَّان)، وزاد الحِبّان ليهو مكان كما يقول أهلنا الطيبون.
* كان فيضان المحبة متدفقاً ملء المكان والزمان.. وكانت أسمرا الجميلة في أبهى حُلة.. تبدو وسيمةً بهية المعالم كعروس في ليلة زفافها.. عنوانها الأبرز نظافتها التامة، ونظامها الدقيق، وكان تاج رأسها طيبة أهلها وعفويتهم ولطفهم ووداعتهم وكرمهم الفياض.
* لم نعلم مقدار محبة الإريتريين للسودان وأهله إلا بعد أن خالطناهم.. محبتهم لنا صافية خالصة صادقة، لا يخالطها مراء، ولا تساكنها مصلحة، ولا يشوبها رياء.. وهم لا يتحرجون في إظهارها متى ما لاح للسودان بارق أمامهم.
* كنا نقف أمام الفندق انتظاراً لعربة أجرة.. فتوقفت واحدة أمامنا وفوجئنا براكبها يصر على النزول منها كي يمكنَّا من استقلالها.. وعندما زرنا مقبرة رائد فن الحقيقة الحاج محمد أحمد سرور (رحمة الله عليه) في مقابر المسلمين بأسمرا انخرط حارس المقبرة في بكاء مرير، حزناً على ما يحدث للسودان وأهله.. وطفق يتحدث عن أيامه في السودان وعما قدمه السودانيون للثورة الإريترية.. بكى بحرقة وسالت دموعه حتى بللت ملابسه.. بكى وأبكانا.
* وفي الحدود بين البلدين كانت جسور المحبة ممدودةً بلا انقطاع.. من امتلكوا جوازاتٍ ساريةً دخلوا إريتريا بلا رسوم ولا تأخير.. من فقدوا جوازات سفرهم دخلوا بإبراز صورة منها في الهاتف الجوال، ومن لم يمتلكوا تلك الصور دخلوا ببطاقاتهم الشخصية، أو برخصة القيادة، أو بصورة من الرقم الوطني.. ومن لم يمتلكوا أي مستندٍ يثبت هويتهم دخلوا باللهجة السودانية.. وكانت كافية كي تفتح لهم تلك البلاد الطيبة صدرها الحاني وذراعيها الكريمتين بلا تأخير.
* عندما قابلنا الرئيس إسياس أفورقي قال لنا: (لم ولن ننصب خيمةً واحدةً للسودانيين لأنهم منا وفينا.. فالسوداني عندنا ليس أجنبياً.. له ما لنا وعليه ما علينا).
* عندما تزايدت أعداد اللاجئين السودانيين في إريتريا تمت استضافة الآلاف منهم في المسجد الكبير بأسمرا، وتم تخصيص الطابق الأرضي للرجال والأول للنساء والأطفال، وعندما تضاعفت أعدادهم أمر الرئيس أفورقي باستضافتهم في مقر المعارض المسمى (إكسبو).. وتم توفير كل سبل الإقامة والإعاشة لهم بالمجان.. ووفروا لهم الأدوية.. والحفاظات للأطفال والمحارم الصحية للنساء.
* علاوةً على ما قدمته الحكومة الإريترية لقِرى ضيوفها المنكوبين بالحرب تدافع الإريتريون رجالاً ونساء لإكرامهم، بذبح الخراف وإحضار اللحوم والخضروات والفواكه والمياه لهم بكرم حاتمي تسبقه ابتسامة المحبة وتزينه حرارة الترحيب.. ولم تقصر أسرة السفارة أيضاً معهم، إذ خصصت لهم مدرستين إضافيتين لتخفيف الضغط على مركز المعارض المكتظ باللاجئين.
* حتى سائقي سيارات الأجرة اتفقوا فيما بينهم على تخفيضٍ خاص للسودانيين، وعندما شرعت بعض الجهات في جمع التبرعات لمساندة السودانيين الذين حلوا ضيوفاً على إريتريا احتجّوا مع رفاقهم سائقي حافلات المواصلات العامة على عدم إشراكهم في التبرعات، وأصروا على المساهمة بمبالغ مقدرة.
* اجتهدت الحكومة الإريترية في تخفيف معاناة أهلنا بقدر استطاعتها، وفتحت لهم مستشفياتها وكل مرافقها.. ومنحتهم تأشيرة الدخول مع رخصة إقامة لمدة شهر المجان، ليتم تمديدها لمدة نصف عام بالمجان، ولنصف عام آخر بالمجان.
* فوق ذلك فتح الكثير من الإريتريين منازلهم لاستضافة العديد من الأسر السودانية بمنتهى اللطف والكرم، وحملوهم على أكفّ الراحة، وكانوا يتحدثون عن أنهم لا ينتظرون ولا يقبلون كلمة شكرٍ واحدةً عما قدموه.. لأنهم يعتبرونه واجباً لا يستوجب الشكر أبداً.. فلله درَّهم.. ما أطيبهم وما أكرمهم وما أنبلهم.
* أما طاقم السفارة بقيادة القنصل نادر محمد يس ورفاقه.. ومن بعده القائم بالأعمال الجديد.. سعادة السفير (الإنسان) غازي بابكر حميدة فنبتهل للمولى عز وجل أن يجزيهم عن أهلهم ومواطنيهم خيراً، بعد أن جافت أجسادهم المضاجع حرصاً على راحتهم، وما ذلك بغريبٍ عليهم.
* في الحلقة المقبلة سنتطرق إلى تفاصيل لقائنا مع الرئيس إسياس أفورقي الذي تحدث بلسان المحبة والصراحة عن السودان وأزمته الراهنة وموقف بعض الدول التي تآمرت على بلادنا وساهمت في قتل شعبها وتشريد مواطنيها وساعدت التمرد على التمدد.. وكان حديثاً قوياً صدر عن لسانٍ ذَرِب وقلبٍ محب للسودان وأهله.. وفيه لم يتحرج أفورقي مطلقاً في إظهار دعمه الكامل للسودان وأهله وجيشه وانتقاد من تآمروا واجتهدوا لتدمير السودان وإنزال الأذى به.. نواصل.