العالم

لماذا يبدأ بايدن جولاته الخارجية من السودان؟

IMG 20201214 WA0002تسامح نيوز

بات واضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية تولي السودان إهتماماً خاصاً في إتجاه تطوير علاقاتها السياسية و الإقتصادية، بعد أن كان يمثل محور الشر في ظل نظام الرئيس السابق عمر البشير، ما دفعها لفرض عقوبات عليه لأكثر من عقدين بسبب رعايته للإرهاب من خلال إستضافة زعيم القاعدة أسامة بن لادن مطلع تسعينيات القرن الـ20.

و استقبلت الخرطوم الفترة الماضية مسؤولين أميركيين على مستوى رفيع، فيما أعلنت نائب الرئيس الأميركي المنتخب كامالا هاريس، في وقت سابق عن زيارة مرتقبة لجو بايدن إلى السودان مطلع فبراير (شباط) المقبل في مستهل أول جولة خارجية له بعد تقلده منصبه، تشمل السعودية والإمارات، و الصين، و هو ما طرح تساؤلات عدة عن سر هذا الاهتمام الأميركي بالسودان، و دوافعه الحقيقية؟

يشير مسؤول العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر السوداني فؤاد عثمان، إلى أن “تحليل غالبية قطاعات المجتمع السوداني عن إهتمام الإدارة الأميركية بالسودان كان في سياق الإنتخابات الأميركية و حصد نقاط لصالح الرئيس دونالد ترمب، لكن وضح أن واشنطن لديها مسعى حقيقي تجاه السودان، الأمر الذي ظهر في المشروع المشترك الذي قدم للكونغرس من قبل الجمهوريين و الديمقراطيين لدعم المرحلة الإنتقالية و التحول الديمقراطي في البلاد، و أخيراً زيارة وزير الخزانة الأميركي للخرطوم التي تعد أول زيارة من نوعها، حيث ناقشت الوضع الإقتصادي، و المساعدات التي ستقدمها واشنطن للسودان، فضلاً عن معالجة موضوع الديون الخارجية البالغة 60 مليار دولار. و تبعتها زيارة رئيسة بنك التصدير و الإستيراد الأميركي للتباحث حول إعادة السودان للنظام المصرفي العالمي، فضلاً عن توقيعه على إعلان إتفاقيات أبراهام، الذي ينص على ضرورة ترسيخ معاني التسامح و الحوار و التعايش بين مختلف الشعوب و الأديان في منطقة الشرق الأوسط و العالم، بما يخدم تعزيز ثقافة السلام”.

*شراكة حقيقية*

و أضاف عثمان، “في هذا السياق تأتي زيارة بايدن للسودان، و هي بلا شك مهمة للغاية من عدة جوانب، حيث تؤكد أن أميركا تولي الخرطوم إهتماماً خاصاً غير مسبوق من قبل، لكن في إعتقادي أن واشنطن مهتمة بتجربة الإنتقال التي حدثت في البلاد كونها فريدة من نوعها بعد ما شهدت شراكة حقيقية بين المكونين المدني و العسكري و هو ما لم يحدث على مر تاريخ السياسة السودانية، بخاصة خلال تجربتي الإنتقال السابقتين (1964 و 1985)، حيث كان المكون العسكري منفرداً بالحكم في هاتين الفترتين، كذلك تريد الأولى أن يشهد الأخير إستقراراً في هذه المرحلة، و ألا يحدث له إنتكاسة أو تعثر على الأصعدة كافة، لأنه بلد مهم و محوري و موقعه إستراتيجي في المنطقة، فأي إنزلاق تجاه أي توترات غير محسوبة سيُدخل المنطقة في دوامة غير معروف مصيرها، لا سيما ما يجري من تصعيد مع الجارة إثيوبيا”.

و لم يستبعد مسؤول العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر السوداني أن تكون لدى واشنطن أهداف و مصالح في السودان تسعى لتحقيقها و هذا شيء طبيعي و مفهوم، و غير مستغرب، و بالعكس، فإنه من الأفضل له أن تكون له علاقات قوية مع دول متقدمة و مؤثرة كأميركا لتثبيت مصالحه بما يعود بالنفع و الفائدة لشعبه، بشرط ألا يرهن إرادته السياسية، و ألا ينحاز إلى أي محور. مؤكداً أن الحكومة السودانية الجديدة المتوقع إعلانها قريباً يجب أن تنتهج سياسة خارجية مبنية على إرادة المصالح شعارها السودان أولاً.

*ترميم الإرهاب*

في حين يوضح المتخصص في السياسة الدولية أحمد حسين، أن “واشنطن ظلت مهتمة بتطوير علاقاتها مع السودان لفترات طويلة خلال الحقب السابقة، لكن تقطعت أواصر هذه العلاقة خلال النظام السابق بسبب رعايته الإرهاب، لكن مع إندلاع ثورة ديسمبر (كانون الثاني) التي أطاحت حكم الرئيس السابق عمر البشير بدأ الإهتمام الأميركي بالسودان، و زاد حماسه مطلع 2020 بعد إجازة الكونغرس الأميركي مشروع الإنتقال و الشفافية و المساءلة، كما أن التقدم الذي أحرزته الحكومة السودانية في مجال الحريات الدينية و السلام و العون الإنساني و التحول الديمقراطي و الحوكمة كان دافعاً مشجعاً، فضلاً عن الجهود التي بذلها المكون المدني في ترميم قضية الإرهاب، فالإدارة الأميركية توصلت إلى قناعة أن السودان غيّر سياسته الخارجية، و أصبح بلداً متعاوناً مع المجتمع الدولي، و يتبع النهج الديمقراطي، و هذا ما يطمئن بأن أميركا تعمل بمؤسسية تحترم التنوع في اتخاذ القرار”.

و تابع حسين، “في ضوء هذه المؤشرات من المتوقع أن يكون هناك تطور كبير في العلاقات السودانية الأميركية خلال فترة حكم بايدن، و بالتأكيد فإن زيارته المرتقبة للخرطوم الشهر المقبل ستضع السودان في مرتبة متقدمة بين الدول المؤثرة بالمنطقة، مما ينسحب على علاقاته الخارجية مع دول العالم كافة، كما ستعطي دفعة و تطوراً غير مسبوقين في العلاقات المشتركة، خصوصاً أن أميركا تعد أكبر دولة على مستوى الديمقراطيات و المواقف الدولية، لكن هذا التوجه يتطلب وحدة الصف الداخلي و التوافق على مستوى الحاضنة السياسية للحكومة الإنتقالية، و أن يعكس السودان صورة حسنة مع جيرانه، و أن يكون مستوعباً التحديات الماثلة أمامه، فضلاً عن إطمئنان الجانب الأميركي بأن السودان في الإتجاه الصحيح نحو التحول الديمقراطي، و لن يعود مرة أخرى للأنظمة الشمولية”.

*هيمنة الصين*

و أوضح المتخصص في السياسة الدولية، “مؤكد أن المصالح هدف أي دولة في تحركاتها الخارجية، و واشنطن تدرك جيداً ما يزخر به السودان من موارد عديدة و ضخمة، لكنه يفتقد التكنولوجيا، لذلك جاء إهتمام أميركا هذه الأيام به لسد النقص الغذائي المتوقع بسبب جائحة كورونا، إضافة إلى بحث فرص إستثمارية للشركات الأميركية في مجال التنقيب عن البترول و الذهب و الغاز للحد من هيمنة نفوذ الصين ليس في السودان لوحده، بل في أفريقيا، فضلاً عن أن الولايات المتحدة تسعى ليكون السودان حليفاً لها من جانب تعزيز حماية الأمن القومي الأميركي لحماية مصالحها بالمنطقة. لكن يجب على الحكومة السودانية أن تكون يقظة في رعاية مصالحها بأن تعمل على وضع الأطر و الأسس القانونية في التعاملات و الإتفاقيات مع الجانب الأميركي و غيره لحفظ حقوق و مصالح البلاد و الشعب السوداني، و ألا تنبهر بمسألة العلاقات مع أميركا”.

و يلفت أحمد حسين، إلى أن واشنطن لا تريد أن يكون السودان محفوفاً بالمخاطر بعد هذا التحول و التغيير الكبيرين، بخاصة من ناحية الإرهاب الذي يمكن أن يصدر له من جيرانه، خصوصاً في حدوده مع ليبيا المتاخمة لإقليم دارفور، فهي تريد أن تكون قريبة من الخرطوم لدعم عملية السلام في الإقليم، كما لدى واشنطن نظرة و رؤية بأن يصبح التحول الديمقراطي في السودان نموذجاً يحتذى في المنطقة العربية و الأفريقية. مستبعداً أن يكون تركيز الجانب السوداني في علاقاته مع أميركا به خلل، بل بالعكس فإنه يخدم مصالحه، لكن يجب ألا تكون هذه العلاقة على حساب طرف آخر، فعلى الحكومة السودانية إنتهاج سياسة خارجية متوازنة و ألا تلتف حول محور واحد، و لا بد لها من الانفتاح على كل الدول المهمة، لا سيما الصين و روسيا و أوروبا، بحيث يكون لديها شركاء فاعلون، و أن تكون مدركة في الوقت نفسه بالتقاطعات و المصالح.

*علاقات عامة*

في المقابل يقول أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات السودانية حسن بشير، إن “اهتمام أميركا بالسودان في الآونة الأخيرة له عدة أسباب، أهمها أن واشنطن تشعر بتأنيب ضمير بخطئها في فصل جنوب السودان عن السودان، و أنها تريد الإستفادة من موارد السودان الطبيعية في المجالات كافة، و منافسة الصين التي تمددت في علاقاتها الإقتصادية و الإستثمارية في قارة أفريقيا، لا سيما السودان، خصوصاً في مجال البترول و المعادن و الذهب، فضلاً عن أنها تريد أن يكون لها موطئ قدم بالبلد بعد أن أصبح يحكم بالديمقراطية، مربوطاً ذلك بتقارب العلاقات السودانية الإسرائيلية، و إبتعاد الأول عن محور إيران، و تركيا، و حماس. كما تبحث واشنطن عن فرص لشركاتها التي تضررت من جائحة كورونا، بخاصة قطاعا الطيران و البنوك و غيرهما”.

و أوضح بشير، أن زيارة الرئيس الأميركي الجديد للسودان في فبراير المقبل لا تعدو أن تكون في إطار علاقات عامة، بإعلانه دعم الحكومة المدنية، و التحول الديمقراطي في البلاد، فضلاً عن تحقيق المصالح المشتركة. فواشنطن تريد فتح أسواق لها و إعادة ترتيب إقتصادها بعد إنتهاء أزمة كورونا، منوهاً أن السياسة تبنى على المصالح أكثر من أي شيء آخر من أجل تحقيق الرفاهية للشعب، و هو ما يجب أن يسعى له السودان في الفترة المقبلة، حيث آن الأوان لتكون المصلحة هي البوصلة في علاقاته الخارجية، بالتالي لا توجد غضاضة من أن تكون للخرطوم علاقة خاصة مع واشنطن، و إسرائيل و غيرهما، بعد أن دفع ثمن فاتورة اللاءات الثلاثة، و المقاطعة العربية لإسرائيل لسنوات طويلة.

*إندبندنت*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى