
ما الذي حدث في أنجمينا بتاريخ الثامن من يناير 2025؟
كتب: سعيد أبكر أحمد
هرعت وسائل الإعلام العربي والغربي في تغطية الشأن التشادي بسبب الحادثة التي جرت في تمام السابعة وخمس وأربعين دقيقة مساءً في العاصمة التشادية انجمينا بتاريخ الثامن من يناير 2025، وتعددت الروايات، واختُلقت القصص، واتهمت جهات غير مسؤولة عن الحدث، وتبنت جهات لا علاقة لها بالواقع التشادي مسؤولية الحدث، وكان لقاء المتحدث الرسمي باسم الحكومة في اليوم التالي غير كافٍ؛ لأنه تحدث بلغة عربية غير مُبينة لوسائل الإعلام العربي.
فما الذي حدث بالضبط؟
يقع القصر الرئاسي في تشاد ( يطلقون عليه رسميا قصر توماي) في قلب العاصمة انجمينا، وبه بوابات عسكرية ومدنية، يدخل الموظفون المدنيون القصرَ الرئاسي من البوابة الرابعة وهي بوابة مخصصة للشخصيات المدنية.
في تمام السابعة وأربع وأربعون دقيقة توقفت شاحنة صغيرة تحمل عمالاً تشاديين أمام بوابة القصر ( البوابة الرابعة) كان أولئك العمال يحملون أسلحةً بيضاء ( سواطير – سكاكين – مناجل ) هاجموا بها الحرس الموجود على البوابة، سقط أحد أولئك الجنود على الفور ، بينما فتح الجندي الآخر النار على المهاجمين.
في غضون ذلك وصلت قوة عسكرية مدججة من البوابات العسكرية، وقتلت 19 شخصاً من المهاجمين وأسرت 6 منهم، وبحسب الرواية التي صدرت من المهاجمين فإنّ أحد المشعوذين قد خدعهم وسكب لهم مادة في الشراب، وأخبرهم أنّ الواحد منهم لن يكون مرئياً بعد الشراب وبإمكانه فعل أي شيء وذلك أمرٌ لا يصدقه عاقلٌ ولا يرضَ به سويٌ.
لكن تحليلي في المسألة يختلف جداً، ثمة صراع حقيقيٌ بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي على السلطة.
كانت السلطة عند الجنوب منذ الاستقلال أغسطس 1960 حتى عام 1980 ثم جئنا واستلمنا السلطة منهم حتى اللحظة، ومع غياب العدالة الاجتماعية، وزيادة الهوة الاقتصادية، وتبني الخطاب العنصري والجهوي.
بدأت الأحزاب الجنوبية تتململ من الوضع، فهم أكثر حظاً في التعليم ويسيطرون على مؤسسات الدولة وظيفياً ، ونسبة الوعي لديهم فيما يتعلق بالحريات والحقوق أعظم أثراً ، وخرجوا في مظاهرات عارمة في أكتوبر 2022 تعامل معها الرئيس محمد كاكا بعنفٍ، ولعل ماحدث من آثار العنف الذي فتح شهية الانتقام وذلك يفسر القصة الحقيقية لأحداث الثامن من يناير إذ أن بعض المهاجمين قد قُتل ذويهم وأقاربهم في العشرين من أكتوبر ويريدون الانتقام من الحرس الرئاسي الذي كان السبب الرئيسي وراء ذلك.
أما ما سارعت به وسائل الإعلام بأنه الهجوم قد حدث من جماعة بوكو حرام، أو بسبب الأحداث في السودان، أو بسبب رحيل القوات الفرنسية فذلك غير صحيح جملة وتفصيلاً، وينبغي على القنوات التي قالت ذلك الاعتذار للمشاهدين.
ختاماً
لقد برهنت المؤسسات الإعلامية في تشاد فشلها الذريع في توصيف الحادثة التي جرت بتاريخ الثامن من يناير ، وذلك باتباع نظام التمويه، وتعدد الروايات ، وإثارة الهلع ، وخلط الأمور ، وخرجت الرواية الأخيرة بطريقة مبتذلة ، وفاقدة للمنطق، ودلت على هشاشة الفكرة الرئيسية للموضوع برمته.
يجب على الرئيس محمد ديبي أن يغير موقع الرئاسة الحالي لأنّه من غير المنطقي أن يكون القصر الرئاسي منذ الاستقلال في هذا الموقع، والعاصمة في اتساع مطرد ، هناك أماكن أجمل في منطقة ( باكارا – ومنجفا ) تصلح أن تكون موقعا للرئاسة وحتى يكون المتنفس للشعب أكثر راحة، وأجمل موقعا، بما يتناسب مع تقنيات العصر الحديث، ويفك الخناق الذي يحدث بسبب هذا الموقع المشؤوم الذي وبسببه فقدنا الآلاف الشباب منذ عام 1957م مرورا ب 1997م وختاما بالثاني من فبراير 2008م وأحداث الثامن من يناير 2025
حزنتُ جداً على الحادثة التي جرت بتاريخ الثامن من يناير وتمنيتُ لو أنفقت رئاسة الجمهورية من ميزانيتها الفلكية شراء بوابات إلكترونية مضادة للرصاص ، لا تكلفها ثمن رحلة من الرحلات الفارهة التي يقضيها فخامته في العواصم الأوروبية ، تكون تلك البوابات راحة للشعب وللعسكر ، يتم التحكم فيها بزرٍ واحد ٍ ، وتوفر الجهد والوقت والمال والأنفس التي تزهق بثمن بخس.
أظنّ أن الثامن من يناير درسٌ لنا جميعاً بأنّ الوطنَ يحتاج إلى مخلصين يعملون لوحدته ونماءه، وليس لوزراء يربطون الأسلحة على خواصرهم ويطمئنوا الشعب، لأنه لا معنى للسلاح إذا كانت الأمور تحت السيطرة.