المقالات

مجذوب هاشم يكتب: رسالة في بريد البرهان

متابعات -تسامح نيوز

مجذوب هاشم يكتب: رسالة في بريد البرهان

مجذوب هاشم

في توقيت يخوض فيه أبناء شعب السودان، بمختلف انتماءاتهم السياسية والعرقية والأيديولوجية، حربًا ضروسًا ضد عدو مدعوم من أكثر الاقتصاديات نموًا وتقدمًا في العالم، وبتسليح وتمويل سخيّ يفوق قدرة جيوش إقليمنا، نجد أنفسنا في معركة مصيرية تهدف إلى تدمير وطننا بصورة ممنهجة، ولم يسلم أحد من ويلات هذه الحرب.

يعاني السودانيون في الداخل من كافة صنوف العذاب وانعدام الخدمات الأساسية نتيجة لهذا العدوان الغاشم على أرضنا ومقدراتنا و لا ننسي ايضاً معاناة اخوتنا بالخارج في منازحهم.

مجذوب هاشم يكتب: رسالة في بريد البرهان

لقد تدرجنا في هذه الحرب بكل مراحلها، بصبر وجلد واحتساب، وعاهدنا أنفسنا أن ننصر الحق ولو على أنفسنا.

استمع الجميع لكلمات الفريق أول عبد الفتاح البرهان في خطابه الأخير، حين قال: “لا مجد للساتك، المجد للبندقية”. فهل كان هذا الحديث في مكانه؟ وماذا يقصد به البرهان؟ وما هي نواياه؟

كعادته، يجيد الفريق البرهان التنقل بين المعسكرات المختلفة؛ تارةً مهادنًا وتارةً مهاجمًا، إلا أن تصريحاته الأخيرة جاءت محبطة ومسيئة لأولئك الذين كانوا وقود ثورة ديسمبر و اكتوا بنار هذه الحرب و تحملوا ويلاتها ، و هم صنّاع التغيير الحقيقي على الأرض.

هؤلاء الشباب ليسوا سياسيين يسعون للسلطة أو المال، بل شباب آمنوا بإمكانية إحداث تغيير حقيقي في وطنهم، وإصلاح ما أفسده نظام الإنقاذ في الحياة السياسة والاقتصادية والخدمة العسكرية والخدمة المدنية الخ، وبناء دولة تعبر عن تطلعات السودانيين في العدالة والمساواة.

مجذوب هاشم يكتب: رسالة في بريد البرهان
نقابة الصحفيين

هؤلاء الشباب ليسوا فئة بسيطة يمكن تجاوزها، بل هم شريحة واسعة ومؤثرة من شباب السودان. ومن غير الحكمة معاداتهم أو تجاهل إرادتهم، فهم من صنعوا التغيير وأوصلوك، سيادة الفريق، إلى سدة الحكم لتكون مؤتمناً على ثورتهم، لا معاديًا لها أو لوسائلها السلمية في النضال والمطالبة بالحقوق.

لقد قدموا تضحيات عظيمة بدافع حبهم للوطن، واستطاعوا فرض التغيير وإجبار الجميع على الانصياع لرغبتهم. ولولاهم، لما حدث تغيير أصلاً؛ فهم الأصدق وطنية والأكثر وفاءً لهذه الأرض.

 

وحين نادى المنادي للفداء، قدّموا أرواحهم عن طيب خاطر و ساندوا قواتهم المسلحة ، وتركوا السياسيين أصحاب المصالح، ووقفوا مع إرادة الشعب قولًا وفعلًا. فهل يكون جزاؤهم الإساءة؟ وهم لا يطلبون جزاءً ولا شكورًا.

فمعاداتهم ليست من المصلحة، فهم يمتلكون من الوعي ما يكفي، ولن ترى ردة فعلهم إلا بعد أن ينجلي غبار المعركة.

 

فإذا كنت تسعى لبناء مشروع حكم ديمقراطي عبر صناديق الاقتراع، فإن معاداتهم ليست في صالحك، أما إذا كنت تطمح للحكم عبر “مجد البندقية”، فهُم أول من عرف كيف يواجه البنادق بصدور عارية بسلميتهم المعهودة ، ووقفوا بثبات في وجه القمع في محطات عديدة، وأعادوا الثورة إلى مسارها مرتين. ولا يجوز تحميلهم أخطاء بعض السياسيين او اخذهم بجريرة السياسيين المتحالفين مع المليشيات أو الذين ادعوا الحياد حسب زعمهم، فهذه الحرب كشفت المسافات الحقيقية بينهم وبين قواعدهم الشبابية.ولن تؤدي مثل هذه التصريحات سوى لإعادة الشباب إلى مستنقع الاستقطاب السياسي، بعد أن تحرروا منه ووقفوا خلف قواتهم المسلحة دعمًا للوطن.

 

ويحق لنا هنا أن نتساءل: هل جاءت هذه التصريحات بعد زيارتك إلى مصر كمحاولة لإسقاط النموذج المصري على السودان؟ إن صح ذلك، فإن محاكاة التجربة المصرية لن تؤدي إلا إلى الفشل.

 

فمصر ليست السودان، والسودان ليس مصر. والاختلاف في البنية المجتمعية والتاريخية والسياسية عميق، فالحذر ثم الحذر من محاولة اسقاط النموذج المصري هنا، لأننا قد نخسر ما لا يهم الجارة مصر .

 

لقد صنع السودانين التغير في السابق و دعموا القوات المسلحه بكل ما جادت به الدنيا لهم و صبروا و صابروا و تحملوا المشقات و برعوا في ايجاد المبررات للجيش او القوات المسلحة في كل عمليه فشل او سقوط منطقه او مزبحة يقوم بها العدو ناهيك عن فقد الممتلكات التي اصبحت نسياً منسياً و كانوا يقدمون دروسا في الصبر و الجلد و الاحتساب و يكظمون غيظهم و سخطهم و يواصلون دعمهم و يتجاوزون مرارتهم و يقفزون فوق احزانهم ليس حباً في شخصك و لكنهم مؤمنين بأن لا حامي لهذه البلاد و وحدتها سوي القوات المسلحة شاء من شاء و و أبي من أبي.

فهل تريد، بعد كل هذه التضحيات، أن يعود الشعب لمعاناة الحروب والفرقة والشتات و تجريب المجرب ؟ هذا الشعب لا يطلب سوى الاحترام والتقدير والعيش الكريم، و دولة تقف علي مسافة واحده من كل المكونات ومن الحماقة أن تحول أصدقاءك إلى أعداء.

هؤلاء الشباب قادرون على تطويع المستحيل، ويمكن أن يكونوا خير عون في تأسيس دولة حقيقية، كما حدث من تطور كبير للقوات المسلحة تحت غبار هذه المعركة يثبت للجميع عظمة هذه الأمه و عظمه هذا الشعب . وما تحقق من إنجازات داخل المؤسسة العسكرية دليل على أن لا مستحيل أمام هذا الشعب .

ويمكن أن نستلهم من خلال هذا النجاح لبناء مشروع وطني يتوافق عليه كل السودانيين لحل أزماتهم وتجاوز الحرب والانقسام.

فإذا كنت جادًا في هذا المشروع الوطني، فستجد الجميع خلفك. ولا بأس من دعمك طالما تستجيب لإرادة الشعب و تسير و فقا لرغبته في تأسيس و بناء الدوله التي طالما كانت حلما للجميع ، و سيتحقق ذلك على غرار ما تحقق من تطور كبير في قدرات القوات المسلحة.

نعم، يعلم الجميع بأن هذه الطريق محفوفة بالمخاطر، لكن حجم التوافق حوله يجعل النجاح ممكنًا. وأفضل من يعينك على ذلك هم من يحرقون “الساتك”؛ هؤلاء الشباب لا يستطيع أحد أن ينتزع منهم حبهم للوطن، وهم مستعدون للوقوف مع أيٍّ من كان يريد الخير للسودان.

فهم وقود النهضة والتغيير الحقيقي. والأهم من ذلك، أن تكوينهم الاجتماعي متنوع من كل بقاع السودان، لا يعرفون أمراض الأجيال السابقة، ويضعون مصلحة الوطن فوق كل انتماء و حبهم لبعضهم و احساسهم بمشاكل بعضهم البعض جعلت منهم نسيجاً متماسكا قادر علي فرض واقع جديد يخرج بلادنا من الحروب الصراعات المستمره.

الرابح هو من يكسبهم ويخطب ودهم، ولن يستطيع أحد التقدم نحو الحكم أو السيطرة على السودان دون جمع هذه المكونات المتناقضه و اظنك القادر علي ذلك بفضل الله ، وفي مقدمتها شباب الثورة، وصولًا إلى التوافق على مشروع سياسي موحّد يؤدي إلى صناديق الاقتراع .

ولا مشكلة أن تمنحك جموع الشعب السوداني اصواتها ، عبر انتخابات حرة ونزيهة .

فهذا الشعب قد وعى الدرس جيدًا، ولن يصمت مجددًا على الظلم أو صناعة الديكتاتوريات. وهو قادر على تجاوز كل من يعارض مشروعه لبناء وطنه، ما إن تضع الحرب أوزارها.

فالمجد لهذا الشعب، و ليس لبندقية الشعب مجداً علي الشعب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى