المقالات

محمد حامد جمعة يكتب : مذارف

تسامح/الخرطوم

 

واحدة من سمات تجربة محمود عبد العزيز . دوره الكبير وجهده العظيم في نقل الغناء القديم من الحقيبة وما تلاها الى أسماع جماهير عظيمة من الشباب والناشئة . وأسهمت حنجرة الفتى الصافية في نقل إرث عظيم من حالة الكمون الى إطلاقات السراح في الفضاء الواسع . ولا يماري مراقب في أن (محمود) أضاف لمتانة النصوص وجودتها أبعادا أخرى لم تتاح سوى لقلة وإن جودت . ولم أقع فيما إستمعت على أخطاء في النطق هذا بخلاف الطلاوة التي أضافها لحنا وأداء على أعمال خالدات ومجيدة في ذاكرة الناس وأسماعهم واذكر ان له البوما حوى مجموعة من اغاني الحقيبة أحدث به نقلة عظيمة في تعاطي الناس وذاك الغناء وأجاد الفتى في كل إختياراته المعاصرة من اعمال الاخرين بشكل مثلا لم يتقاصر فيه عن قامات مثل محمد ميرغني او الهادي الجبل وبأغاني واختيارات من مخصوص انتاج اولئك القامات وأعمالهم الموضوعة في مقام المحظور إلا لمن يستطيع ويقدر وبالتالي فمحمود هنا لم يكن يقلد . بل يمد الاعمال الى افق ابعد حتى عند صاحبها
2
تجلى محمود عبد العزيز في أعمال الرمز خضر بشير . تشبع فيها بذاك الخيط السري الخاص بالامتاع الذاتي للمؤدي . وأظنه اختبر كل أعمال (بشير) فما تعثر . رغم ان لونية الغناء عند رجل شمبات خليط من الطقوس والمقامات الصوتية والتحرر من محيط السكون لعريض التطواف في عوالم لا يراها السامع ومن ذاك (خدعوك جرحو سمعتك) وهو نص ابدع ما فيه مدخله الفصيح المؤسس لقصيدة بين متن العامية وعميق البيان والتشبيه الفريد الذي جعل الإطفاء على الوجن بفعل مذارف الدمع . ولاحظ استخدام مذارف في تحويل الاسم والتلاعب به إشتقاقا ليتحول الى فعل !
ومذارف العين _في لسان العرب _ مدامعها. والمذارف: المدامع
وتفوق الشاعر هنا على جميل بثينة الذي وصف حاله فيما وصف صاحب خضر بشير انعكاس وجده إشفاقا و عبر عن حال الرائي وفي الشعر التعبير عن الاخر دقة اعمق من (جميل) الذي قال
لَقَد ذَرَفَت عَيني وَطالَ سُفوحُها
وَأَصبَحَ مِن نَفسي سَقيماً صَحيحُها
أَلا لَيتَنا نَحيا جَميعاً وَإِن نَمُت
يُجاوِرُ في المَوتى ضَريحي ضَريحُها
3
كان محمود عبد العزيز . حنجرة تسع كل إبداعات السودانيين . غنى لامدرمان ورموز بحري بإحتفاء خاص . وطوف على كردفان (التويا) وجبال النوبة وامتد الى الجنوب وجونقلي فكأنما وضع في قاع حنجرته نوبة ودف و(سلك) وخلط صحراء بغابة لا اعرف كيف احتمل كل هذا . الجسد النحيل . لا أعرف !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى