المقالات

محمد عبد الماجد يكتب :حافظوا علي (سلمية) سلوككم

 

الخرطوم   تسامح نيوز

 

(1)
وهل هنالك دواء في مثل هذه الأيام افضل من قول عبقري الرواية العربية الطيب صالح : (نحن عشنا وتربينا في القري ، تربينا في مجتمعات كان فيها الفقهاء يقومون بالدعوة بالهداية للعاصي ، لم يكونوا يلقون محاضرة ، والعاصي دائما كان يهتدي ، فعندما يبلغ الأربعين يذهب للحج ، ليست هناك مشكلة . الزعماء السياسيون يفتعلون المشاكل ليوهموا الناس بأنهم يحلونها ليبرروا وجودهم ، وهذه هي الحكاية).
الله يهديكم!!

 

(2)
كانت أقصى حدود ثقافة (الحماية) عندنا، لا تتجاوز سقف (سنة رابعة ابتدائي)، وكنا نحسب ان ليس لنا منها اكثر من حذر (لا تضع البيض كله في سلة واحدة) وكان ذلك يرضي غرورنا. إستعدادنا الفطري للوقاية يجعلنا نثق في الجميع .. لا نضع للمكر والكيد حسابا ولو من باب (الوقاية خير من العلاج).
كان عمنا (ود الحجر) أن لم يدخل في موجة (هضربة وكلام برة الرأس) لا يسمح لنا بان نذهب به الي العيادة او المستشفي ، فقد كنا نستقل فقدانه للوعي فنعاود به الطبيب خلسة. حتي اذا عاد وعيّه زجرنا على ذهابنا به للطبيب.
هذه هي (سليقتنا) التي قمنا عليها ، لا نذهب للطبيب إلا اذا تمكن منّا المرض واصبح لا يفصلنا منه غير (تقرير اسباب الوفاة).
لا نلتزم بالعلاج ولا نسعى اليه اذا مرضنا، ناهيك ان نتحاش المرض قبل وقوعه بالوقاية، تقدير البلاء قبل وقوعه كان عندنا أسوٱ من (البلاء) نفسه. لا ندري هل كان ذلك فينا فرّاسة ويقين؟ ام شدة بأس؟ ، ام انه كان منّا سوء تقدير و(طيّش)؟. أذكر في هذا المقام الحاجة (بتول) وهي عندما يغلبها احفادها بقوة الرأس تصفهم بي (المطاميس) وهم يتقافزون امام أعينها، وهو نفس المصطلح الذي نطلقه اليوم على (الخبراء الامنيين والعسكريين) ومن علا منهم واصبح (خبيرا استراتيجيا) ليس له من الخبرة غير (جلحات كبار) ، بكرفتة او دونها، من قادة العسكر واكاديميهم الذين سمحوا للدعم السريع باقامة المعسكرات في المدن وسط الاحياء مع الناس وبين ( القشرة وبصلتها) ، فوضعوا بذلك البيض بل القنابل كلها في سلة واحدة، حيث اكاد ان اجد بين المعسكر والمعسكر معسكر للدعم السريع حتي ان جنودهم شاركوا المدنيين في بيوتهم وعربياتهم وتلفوناتهم الخاصة.

 

كنا نحلم بان يعود العسكر الي (ثكناتهم) فوجدناهم في هذه الحرب يشاركون الناس في (سكناتهم).. لا بد ان العسكر فهموا نداء (والعسكر للثكنات) غلط او ان (الثاء) وصلتهم بعد الجهد (سين)، لقد دخل العسكر للحوش بل توغلوا ودخلوا الغرف والصوالين ليختلط عليهم البقر بين الثكنات والسكنات!.

لا اعفي الجيش من ذلك فهم من سمحوا لهم باقامة المعسكرات الحربية في المدن وسط الاحياء، ثم تعللوا بخوفهم على المدنيين، وهم الذين يضربوهم الآن بالطائرات جوا ويحاصروهم بالدبابات ارضا فيدفعوهم دفعا للاحتماء بالاحياء فماذا تنتظروا عندما تمطر السماء (رصاصا) وقائدهم كان قد قال :(إن شاء الله تمطر حصو).

الهلع والرعب لا ينتج غير الهلع والرعب حتي. (افلام الرعب) يحذر الاطفال قبل العرض من متابعتها.. لماذا تسمحون بكل هذا الرعب في واقعنا المأزوم؟. السينما بكل خدعها ووحشية حيلها الدرامية ، اضحت ارحم منكم!!

مات (50) طفلا من اطفال المايقوما ﻻنهم بدل (الحليب) الطبيعي الذي فقدوه من امهاتهم جاءوا وفقدوا بديله الصناعي من دار الرعايا، ورضعوا من بعد الاهمال والحسرة والوجع والالم.
(50) طفلا سوف نسأل عنهم (سؤال نكير)..منحوا الحياة (سفحا) وسلبت عنهم (سفحا).. ظلموا مرتين يوم ان ولدوا ويوم ان ماتوا.
كيف لنا بعد ذلك ان نحدث الناس عن شهامتنا وكرمنا وأخلاقنا الفضيلة.

 

(3)
تصنيف الدعم السريع الذي كان شريكا للسلطة كقوة (متمردة) سيقوده للمزيد من التفلتات والتهجم، والسخرية منهم سوف تجر البلاد الي حرب اهلية بل حرب عاصمية.
لا تنجرفوا بهذه الحرب لتكون حرب (اهلية) ،ذات طابع (عنصري) .. من الافضل لنا ان تكون هذه الحرب حرب (سياسية) من اجل السلطة والكراسي.
هذا ليس آوان المحاكمات .. لا تستفز من في يده (البندقية) لأن هذا الاستفزاز سوف يجعل الاصابع تضغط علي الزناد. والمحجوب يقول : (كم هو محزن ما تفعله الاصابع المضطربة فوق الزناد)؟

احترام الخصم واجب ،فكيف بابناء الوطن الوطن؟
محاربة خصم عشوائي في حرب المدن اخطر من محربة خصم منظم، لأن الخصم العشوائي لا تعرف كيف يفكر؟ وكيف يخطط؟ وما هي ردة فعله؟ الخصم العشوائي تصرفاته خارج دائرة التوقعات.
اخطر من هذا ان تدخل حرب ضد طرف ليس امامه ما يفقده.
في مثل هذه الازمات والمحن بجب ان نحكّم العقل والحكمة ، وان نحسن الخطاب ،لا تجعلوا الفلول يعبروا عنكم ويقودوكم الي المحرقة.

 

هذه اللغة التي يتحدثون بها لو كانت رابحة لما سقط نظامهم.
انهم عادوا بنا الي فقه (فلترق كل الدماء) بعد أن فشلوا في (فلترق بعض الدماء).
لا تسمعوا لمن يريد ان يشعل الحرب ، ولا تسمحوا لهم بذلك .. الخاسر الاول من هذه الحرب هو (الوطن) وعندما يخسر الوطن لا يكسب احد.
لا توجد استثناءات من (الجحيم) اذا وقع، وليس هنالك فرص للاعادة ، من يشعل الحرب سيكون اول من يحترق بها.
لا ننكر اننا تمهلنا كثيرا قبل التعليق علي هذه الحرب ليس خوفا ولا تثريب مما يمكن ان يحدث. نخشي من اي كلمة يقع وزرها علينا اذا ساعدت في اشتعال الحرب. صمتنا ظنا في ان تحسم (البندقية) المعركة، لكن اتضح لنا ان انتظارنا سوف يطول. وان ساعة الحسم دائما ترفع للجولات القادمة.. انها حرب الي اجل غير مسمى! هل تعرفون خطورة ذلك؟

 

اخشى من النهاية التي يعلن عنها (الطبيب) عن الحالة الميؤوس منها في الدراما العربية، عندما يظهر بروبه الابيض فيستوقفه اهل المريض بعد خروجه من غرفة العمليات ليسألوه عن الوضع الصحي لمريضهم فيقول لهم : (نحن ليس في يدنا ان نفعل اكتر من ذلك ، الطب يقف هنا!! الحالة خطيرة جدا، لكن خلوا عشمكم في الله كبير …نحن ننتظر معجزة.. ليس امامكم شيء غير الدعاء).
ورحمة الله يمكن ان تكتب لمريضهم الميؤوس منه عمر جديد بعد عجر الاطباء.

الآن نحن قنعنا من خير فيهم (باطن وظاهر) ، جيش ودعم !! لكن نلوذ الي رحمة المولي عز وجل ونثق ان الله سبحانه وتعالي سوف يحفظ السودان ويخرجنا من هذا الوضع مثلما اخرج سيدنا يوسف من غياهب الجب واخرج سيدنا يونس من بطن الحوت وجعل النار بردا وسلاما علي سيدنا ابراهيم.
اللهم اجعل هذه الحرب بردا وسلاما على السودان.
اي يوم بل اي ساعة تمر والحرب مستمرة سوف تزيد الهوة عمقا وخطرا … فانتبهوا للسودان.
الجراح لن تقودنا إلا لمزيد من الجراح .. ونزيف الدماء سيقودنا الي كوارث حقيقية.. سيقودنا الي لا وطن، لذلك فعّلوا لا للحرب قبل ان ننتهي الي لا وطن.

 

(4)
في كتابه (انقلاب 19 يوليو 1971 / من يومية التحري الي رحاب التاريخ ) للدكتور عبدالله علي ابراهيم استوقفتني طرفة الخاتم عدلان بعد ان قاد في سنة 1994 انقسام على الحزب الشيوعي واعلن عن ذلك في لندن وظل عدلان مطارد من قبل الصحفيين للكشف عن خلافاته التي قادته للإنشقاق والخروج مع رفيقه الحاج وراق عن الحزب الشيوعي.
فحكى عدلان الطرفة المنسوبة الي الرفيق (شو إنلاي) في الصين . فقد سئل يوما عن رأيه في الثورة الفرنسية . فقال إن اوان ذلك لم يحن بعد!!

والشيوعيون لا يكشفون عن اسرارهم حتي وان خرجوا من الحزب. ونحن نقول ان اوان الحديث عن الحرب لم يحن بعد ..لكن نقول لكل الناس لكل المواطنين ان يلتزموا بسلميتهم في سلوكهم واسلوبهم وثقافتهم المتداولة وان لا يكونوا جزء من الحرب. شاركوا في هذه الحرب بسلميتكم فهذا اقوى سلاح .. بهذا السلاح فجّر الشعب السوداني ثلاث انتفاضات شعبية ظافرة ، واسقط ثلاث حكومات في ايام معدودة ..ليس كما هو الحال الآن رصاص ومدافع ودبابات وطائرات مسيّرة وغير مسيّرة والوضع مازال على ما كان عليه في 15 ابريل ولا شيء غير الخراب والدمار.

 

اذا كانت كلفة الانتصار بهذا الثمن ، كيف تكون كلفة الهزيمة؟
ما قيمة انتصار اذا كان سوف يتحقق بعد ان نفقد الوطن.
اسوأ انتصار ذلك الانتصار الذي يكون على حساب الوطن.
نحن انتصارنا الحقيقي يبقي في سلامة الوطن.
وفي الفؤاد ترعاه (العناية) بين ضلوعي الوطن العزيز.
يوسف مصطفى التني كان حاذقا وحدقا عندما طلب للوطن (العناية).

 

(5)
بغم
كلما اتذكر ان مني اركو مناوي اختار (الحياد) لقوات حركات دارفور (المسلحة) والمشاركة في الحكومة واختار (الحرب) للمواطنين وطالب منهم ان يحملوا (السلاح) ويدافعوا عن انفسهم اذكر في استحياء الطبيب الذي قرر ان يضحي بسلامة الجنين والام والاب والجيران من اجل سلامة (الطبيب).
وكل الطرق تؤدي الي (المدنية).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى