
مشروع القاش الزراعي: رؤية تحليلية تشخيصية اقتصادية واستراتيجية
أيد على أيد تجدع بعيد
بقلم : أحمد حسن الفادني
في مقال سابق تحدث عن مشروع دلتا طوكر وعن اهميته و العقبات و التحديات التي تواجه المشروع ،و الفرص التي يمكن تمثل نقطة انطلاق للمشروع الاستراتيجي الهام ، وأثار المقال كثير من القراء و المتابعين من الزملاء و الاخوة و اساتذتنا في المجال الاقتصادي وظللنا نتدراسه عبر رسائل الواتساب النصية و الصوتية.
وتنبيهي لبعض النقاط الهامة للمشروع بتقديم ورقة بحثية عملية لتنمية المشروع ، كما اشار البعض ان اكتب مقالا عن مشروع القاش الزراعي ومن ضمنهم استاذنا عبد الله ابوعلامة مدير شركة السودان للاقطان و الذي كان مصرا جدا على كتابة المقال ومدنا بالمعلومات و البيانات التي كانت أساس لهذا المقال فنشكرهم جميعا على هذه المداخلات و النقاش المثمر التي جعلتنا نواصل في مسيرتنا بكتابة مقال عن مشروع القاش الزراعي الاستراتيجي برؤية اقتصادية استثمارية استراتيجية لتطوير المشروع .
أولا: النبذة التاريخية عن مشروع القاش:
يعد مشروع القاش الزراعي ،من أقدم وأهم المشاريع المروية في شرق السودان، وتحديدا في ولاية كسلا. حيث تم انشائه في بدايات القرن العشرين في ظل الحكم الثنائي، بهدف الاستفادة من مياه نهر القاش الموسمي الذي ينبع من المرتفعات الإريترية ويصب في الأراضي السودانية على شكل سيول قوية خلال فصل الخريف.استخدم المشروع في بداياته لزراعة القطن، ثم توسع ليشمل محاصيل أخرى مثل الذرة، السمسم، الفول السوداني، والخضروات.
يمتد المشروع على مساحة تقدر بحوالي 250 ألف فدان، ويعتمد كليا على مياه نهر القاش التي تتدفق لمدة تتراوح بين 60 إلى 90 يوما في العام، مما يجعله من المشاريع ذات الري الفيضي الطبيعي.
ثانيا: الهدف من إنشاء المشروع:
1. استغلال مياه نهر القاش الموسمية قبل أن تتبخر أو تتسرب في التربة الرملية.
2. تحقيق الأمن الغذائي المحلي عبر زراعة المحاصيل الغذائية الاستراتيجية.
3. توفير فرص عمل للمزارعين والرعاة وسكان المنطقة.
4. استقرار السكان الرحل وتوفير بنية تحتية زراعية منتجة.
5. تحقيق عوائد اقتصادية للدولة عبر تصدير بعض المحاصيل (القطن).
ثالثا: المشكلات الأزلية التي يعاني منها المشروع:
1. التذبذب الشديد في تدفقات المياه بسبب تغير المناخ، وغياب السدود والمنشأت المائية المنظمة.
2. عدم وجود بنية تحتية دائمة للتحكم في توزيع المياه، مثل القنوات والخزانات و غيرها من الطرق التخزينية.
3. التعدي على الأراضي الزراعية وتحول بعض المساحات إلى مناطق سكنية أو مراعي.
4. ضعف التمويل الزراعي وعدم قدرة صغار المزارعين على الوصول للتقانات الحديثة.
5. غياب التخطيط طويل الأجل واعتماد المشروع على مجهودات محلية موسمية بدون إطار استراتيجي.
6. الطمي والانجراف بسبب طبيعة التربة والمياه، مما يتسبب في تدمير القنوات في كل موسم فيضي.
7. انعدام الحوكمة المؤسسية، حيث لا توجد جهة فاعلة مسؤولة عن تشغيل المشروع بشكل احترافي واستراتيجي.
رابعا: الرؤية الاقتصادية الاستراتيجية لتطوير مشروع القاش:
ان تطوير مشروع القاش يجب أن يتحول من كونه نشاطا موسميا تقليديا إلى مشروع استثماري تنموي متكامل، من خلال الخطوات التالية:
1. إعادة هيكلة البنية التحتية المائيةعبر انشاء سدود صغيرة على روافد النهر في الهضبة الإريترية بتعاون إقليمي،او بناء خزانات وحفائر لحجز المياه خلال الموسم وتوزيعها تدريجيا في مواسم الندرة و الجفاف،وتشييد شبكة ري حديثة تعتمد على القنوات الأسمنتية أو الأنابيب المغطاة و غيرها من الحلول الحديثة لحصاد المياه.
2. إدخال الزراعة التعاقدية والتصنيع الزراعي بتطوير نموذج شراكة بين الدولة والمستثمرين والمزارعين،و إنشاء مصانع تصنيع غذائي وعلفي لتقليل الفاقد وزيادة القيمة المضافة للمنتجات .
3. إنشاء منطقة زراعية استثمارية خاصة(منطقة حرة متخصصة) وذلك بتحويل أراضي المشروع إلى منطقة زراعية حرة لجذب المستثمرين، وتقديم حوافز ضريبية وجمركية لمصانع التصنيع الغذائي المرتبطة بالمشروع.
4. استخدام تقنيات الزراعة الذكية والمستدامة باستخدام نظم ري بالتنقيط والرش لتقليل استهلاك المياه ،وإدخال الزراعة التكميلية (مثل الأسماك أو تربية النحل) لزيادة العائد.
5. تمويل المشروع من خلال شراكة متعددة الأطراف بتأسيس صندوق استثماري خاص بمشروع القاش برعاية حكومية وشركاء دوليين (مثل الصناديق العربية، البنك الإسلامي، والاتحاد الأوروبي) او مستثمرين محليين و حكوميين لتطوير المشروع. او من خلال تمويل تشاركي بين القطاع العام والخاص والمجتمع المحلي عبر صيغ التمويل الإسلامي.
خامسا: الأثر الاقتصادي والاجتماعي المتوقع:
1. زيادة الإنتاج الزراعي من 150 ألف طن سنوياً إلى أكثر من 500 ألف طن خلال 5 سنوات.
2. توفير أكثر من 30 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
3. تعزيز الأمن الغذائي الوطني والصادرات.
4. تحقيق تنمية ريفية مستدامة واستقرار سكاني.
5. تحسين الميزان التجاري من خلال تقليل الاستيراد وزيادة التصدير.
إن مشروع القاش الاستراتيجي يمكن أن يتحول من عبء موسمي إلى نموذج ناجح للاستثمار الزراعي الذكي، إذا ما توفرت له الإرادة السياسية، والتمويل المستدام، والتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد. الاستثمار فيه يعني استثمارا في مستقبل السودان الزراعي وفي استقرار السودان عموما و شرقه خاصة بالتنمية و التطوير الذي يحقق الاستقرار .
فبالاستقرار تنمو وتنهض الشعوب. فلا نترك العبء على الدولة فقط فنحن معها في نهضة السودان و دعم استقراره فأيد على أيد تجدع بعيد.