
ناصر بابكر يكتب: قميص المريخ
قبل ما يزيد عن عشر سنوات، كتبت مقالاً عن ظاهرة تراجع المواهب في الكرة السودانية، التي لم تنجب خلال العقدين الأخيرين لاعباً يمكن تصنيفه في قائمة (الأساطير) بعد (الملك فيصل عجب والبرنس هيثم مصطفى)، وقبل أكثر من عقد، كتبت عدة مقالات تناهض إتجاه المريخ وقتها للإستغناء عن خدمات (بدر الدين قلق) بحجة تقدمه في السن، ومع الأسف تم الاستغناء عن اللاعب في 2012 تقريباً، ليستمر بعدها لأكثر من عشر سنوات،
منها قرابة خمسة مواسم كان خلالها في تقديري اللاعب الأفضل في الدوري السوداني رفقة الخرطوم الوطني، خصوصاً في حقبة “كواسي أبياه” الذي كان يبني فريقه بالكامل حول “قلق” وكان دائم الإشارة لعدم تصديقه أن هذا اللاعب استغنى عنه المريخ.
نماذج “قلق” مع الأسف متعددة بالمريخ منذ شطب صلاح الأمير الذي قدم أيضا مواسم تاريخية مع الخرطوم الوطني، إلى جانب عناصر مثل أحمد الباشا وراجي عبدالعاطي وغيرها من الأمثلة التي تبرهن على أن القائمين على أمر تعاقدات الوطنيين بالمريخ ومنذ سنوات طويلة، يعانون من سوء تقدير غريب، وانعدام كامل للرؤية، لدرجة عدم مراعاة مسألة تراجع وندرة المواهب، مع تجاهل تام لتقييم التجارب من قبل مجالس الإدارات المتعاقبة.
منذ شطب قلق في 2012، لم يحظى المريخ حتى اليوم ونحن في 2025 بلاعب وسط وطني يملك ولو نصف قدراته، وهو أمر ينطبق على العديد من العناصر التي استغنى عنها المريخ، ولعبت بعدها لسنوات في أندية أخرى، دون أن يعوضهم النادي بعناصر يملكون ذات قدراتهم، ناهيك من أن البديل ينبغي أن يكون أفضل.
لذا، فإن استسهال عملية الشطب، والإسهاب في الإحلال والإبدال للحد الذي وصل فيه المريخ لأكثر من 90 لاعباً في أقل من أربع سنوات، هو أمر كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويوضح غياب الرؤية التي تحكم مسألة تعاقدات الوطنيين تحديدا، وغياب المعايير سواء في إختيار العناصر التي يتم التعاقد معها، أو تحديد العناصر التي يتم الاستغناء عنها.
القائمون على الأمر بالمريخ يجهلون حقيقة ندرة المواهب تلك، ويجهلون حقيقة افتقار اللاعب الوطني للتأهيل السليم منذ سن مبكرة، وهما حقيقتان تفرضان التفكير ألف مرة قبل شطب لاعب جيد لأنك ببساطة لن تستطيع تعويضه بسهولة بلاعب أفضل أو على الأقل بنفس مستواه.
عطفا على الوضع أعلاه، ودرجة الاستهتار الموجودة بالمريخ، وغياب تقييم التجارب، وغياب المحاسبة، وتحول النادي لمرتع للسماسرة، تدنت جودة اللاعبين الوطنيين بالفريق لدرجة مريعة، ووصلت حد معاناة المدرب لإيجاد ستة عناصر جيدة للتواجد في التوليفة من بين أكثر من “25” لاعباً وطنياً موجودين بالكشوفات.
حديثي في زاوية الأمس يتعلق بشكل مباشر بجودة اللاعبين الوطنيين بكشف المريخ، وخصوصاً المدافعين، الذين يقدمون مستويات أقل وصف لها٨ أنها (مخجلة)، ويكفي أن شباك المريخ استقبلت (16 هدفاً) في الدوري الموريتاني، مع العلم أن جل الأندية الموريتانية تحتاج لأكثر من ست فرص لتسجل هدف وحيد، ومع العلم فقط أن ترتيب المريخ دفاعيا ضمن أسوأ ستة أندية في الدوري الموريتاني، دون أن ننسى أن مقارنة المريخ يفترض أن تكون بالأندية التي تشارك في الأبطال مثل نواذيبو الذي استقبلت شباكه ستة أهداف فقط، والهلال الذي استقبلت شباكه خمسة أهداف.
كل لاعب بالمريخ ينبغي أن يدرك أن ارتداء هذا القميص ليس أمراً هيناً، وأن نيل هذا الشرف يجعل صاحبه مطالباً بأن يرتفع مردوده لمستوى معين، وسلوكه لمستوى معين، وأن يقدم مردوداً ثابتاً، وأن المريخ كناد جماهيري ويلعب على البطولات، يفرض على لاعبه أن يكون مستعداً للتعامل مع الضغط، وتحمل المسئولية، ومن لا يستطيع تحمل الضغوطات الإعلامية والجماهيرية، عليه أن يبحث عن أندية الظل.
الأخطاء المستمرة، والمستويات المتواضعة، و(كورة الدافوري) أمر لا يشبه المريخ، ولو كان ثمة محاسبة في هذا النادي، لتم فتح تحقيق في كيفية ارتداء مجموعة من العناصر على مدار السنوات الأخيرة، لشعار الزعيم، ولتم طرد الكثيرين وللأبد من هذا الملف، لكن من يحاسب، ومن يسأل، ومن يكترث في ظل تعاقب إداريين لا يدركون قدر المريخ، ولا تعنيهم غير مصالحهم، فجعلوا النادي مرتعاً خصباً لسماسرة التسجيلات.