ورحل الكائن اللامرئي الجميل.. “عيسي الحلو” في وداعك تقاصرت الحروف وتداعت الذكريات
✍️ ماجدة حسن
في العام 2014م، بالعمارة الكويتية، سرت شائعة تفيد بوفاة القاص والروائي والكاتب الصحفي السوداني الاستاذ عيسي الحلو، هبّ أصدقاؤه مهاتفين الصحيفة للتأكد من صحة الخبر. وكان وقتها داخل اجتماع التحرير وما أن غادر رئيس التحرير عادل الباز كرسي الاجتماع وتلقي الحلو نعيه، حتى أصابه الاعياء، قصدني مستفسراً: تفتكري العمل الحكاية دي منو؟ وقصدو شنو؟
وواصل: انتي عارفة دي ما اول مرة؟ ليه دايرني اموت؟..
حاولت التخفيف عنه بكلمات لم يكن يسمعها فهو مشغول بالسؤال الكبير لماذا يريدون له الموت..
بعدها في عجالة لملم كل أوراقه داخل كيس وانهى يومه قبل ان يبدأ وغادر الى منزله حزيناً يفكر في رحيله وهو على قيد الحياة.
في ونسته وفي كتابته يطل الموت كبعبع مخيف، كان يخاف الموت، في خواتيم العام 2019م جلست اليه في منزله في توثيق لصحيفة حكايات عندها سألته لماذا تخاف الموت، وربما حاولت أن اساعده في إجابة إذ اردفت ان كان لوفاة زوجتك أمامك علاقه بالأمر خاصة وان موتها فاجعة تركت له الزغب الصغار، لكنه فاجأني بالاجابه انه يخاف الموت منذ أن كان صغيراً ويخاف الموت جدا ويخشى القبر المظلم بل وبخيال الكاتب تمنى ان يدفن في مكان بمواصفات محددة!
عيسي الحلو أنيس وجليس وصاحب فكرة وخيال لا حدود له، له قدرة على التأمل وتجاوز العادي الى المدهش، خلال عمله بالصحف مر عليه عشرات رؤساء التحرير يفوقهم خبرة وتجربة لكنه ابدا لم يكن نداً لهم فلهم كرسيهم وله كرسيه، حتى أنه رأسه من هو أصغر منه، كان أعمق من مجرد التفكير في الفوارق حيث له عالم لا ينافسه فيه أحد.
عيسى الحلو مدرسة متفردة في الصحافة الثقافية لم يكن يعاني من أزمة فكرة أو شح مادة، كانت المواد هي من تبحث عنه لا العكس إذ أن كبار الكتاب ياتوه بمقالاتهم في مكتبه.
كان المرحوم كمال حسن بخيت يمازحني بأن هذا العجوز يأخذ من شبابي بمجالستي الكثيرة ليغذي روحه ويغالب الشيخوخة، ويضحك هو إلى أن يكاد يقع على التربيزة.
عيسى الحلو شكل لي مخزونا استراتيجياً من الثقافة والادب والمعارف سيما القديم منها، قلت له ذات مرة اريد ان اكتب عنك كتاباً وطلبت أن أجلس إليه نصف ساعة يومياً ليحكي لي، رحب بالفكرة لكنه لاحقاً قد يكون ربطها بالموت ودنو أجله وقدّرت ذلك.
رحل استاذي الجليل وترك لي ذاكرةً حية ونابضة ستكون ملاذاً اتكئ عليها كلما افتقدته.
كان هو الكائن اللامرئي الجميل، زاهداً، متواضعاً، متأملاً، ضاحكاً ومحباً للحياة.