المقالات

عثمان جلال يكتب: ابتذال قضايا الهامش السوداني

الخرطوم  تسامح نيوز

 

مدخل بنيوي

قديما قيل إن الماركسية هي الطريق الأطول للوصول للرأسمالية، والتجربة السودانية أثبتت إن التصدي لقضايا الهامش والبناء الوطني والديمقراطي بالسلاح والعنف الطريق الأطول لابتذال قضايا المهمشين، وتعطيل بروسيس البناء الوطني والديمقراطية المستدامة

(١).
عبرة الصراع السياسي المتراكم في السودان منذ الاستقلال اثبتت ان كل النخب السياسية التي رفعت شعارات التهميش والعدالة والمساواة وكونت حركات مسلحة وحشدت الثوار وخاضت مواجهات عسكرية ضد السلطة المركزية لم تحقق غاياتها بالمنازلة العسكرية في الميدان بل عبر الحوار والتفاوض
ولكن ما ان توقع هذه الحركات المسلحة اتفاقية سلام مع الطبقة السياسية الحاكمة في الخرطوم تتناسى قضايا التنمية المتوازنة والخدمات والعدالة والمساواة وتحيل الاتفاقية الى صفقة محاصصات حول كراسي السلطة وتنزع إلى ممارسة الاستبداد داخل الهياكل التنظيمية للحركة المسلحة، ثم ترتد البندقية الثورية تقتيلا لثوار النضال والخنادق , ثم تنزع قيادة الجماعة المتمردة لاختزال الوظائف القيادية العليا في اسرة او عشيرة او قبيلة, وعندما تصعد الجماعة المتمردة الى منصة حكم الاقليم المهمش تفشل في انفاذ المشاريع الخدمية من كهرباء وتعليم وصحة ,وتفشل في التحول الى حزب سياسي مدني مفتوح لكل القوميات والمجتمعات السودانية
(٢).
لقد رفعت الحركات المتمردة في جنوب السودان منذ تمرد حامية توريت عام ١٩٥٥ الى التمرد الثاني في الستينات والذي انتهى باتفاقية اديس ابابا ١٩٧٢ الى التمرد الثالث بقيادة دكتور جون قرنق عام ١٩٨٣ والذي انتهى باتفاقية نيفاشا عام ٢٠٠٥ , كلها رفعت شعارات العدالة والحرية والديمقراطية والفيدرالة والتنمية المتوازنة ولكن بعد الانفصال وميلاد الدولة الجديدة عام ٢٠١١ تلاشت كل هذه الشعارات وغدا الرئيس سلفاكير هو الحاكم المطلق, وقبيلة الدينكا هي المتنفذة في بنية الدولة ، وأبناء دينكا بحر الغزال هم (الملأ داخل الدينكا) بالتعبير القرآني ، ولم تتحول الدولة الوليدة واحة جاذبة للديمقراطية والنهضة بل غدت دولة فاشلة بامتياز
(٣)
لقد اصبحت قضايا التهميش والعدالة والمساواة شعارات براقة تستبطن الوصول للقصر الجمهوري والمناصب للقيادات البرجوازية الصغيرة ، والقائد البرجوازي الصغير هو شخص ينزع لحرق المراحل في العمل السياسي وذلك بتوظيف البندقية والانقلابات العسكرية من اجل تحقيق طموحاته الشخصية والاسرية والعشائرية في الحكم ، وثمرات هذه العقلية الانتهازية الثراء الفاحش لقيادات الحركات المتمردة ، بينما ازدادت مجتمعات الهامش نزوحا ولجوء وتشريدا وفقرا ،وتهميشا
(٤).
لقد تم ابتذال قضايا الهامش السوداني حتى اصبح المتمرد الانتهازي حميدتي وهو صاحب اكبر بندقية صوبت لقتل وحرق القرى، وتشريد المواطنين واغتصاب الفتيات والنساء ،ووأد احلام المهمشين – أصبح هو المتحدث باسم قضاياهم وهم منه برٱءة . وقولا واحد انها تفاهة الشر بتعبير (حنة ارندت) في تقريرها أثناء محاكمة القائد النازي ايخمان في القدس
لكن تبقى العبرة والحكمة المستلهمة من تجربة الصراع بين المركز والهامش في السودان ان الوسيلة الاستراتيجية لإدارة الخلاف حول قضايا البناء الوطني والديمقراطي في وطن يسع الجميع هي التدافع الفكري والسياسي والحوار الصبور بين الاحزاب السياسية المدنية، وتحييد البندقية تماما في ادارة الخلافات السياسية. واحتكار أدوات العنف القانوني بيد المؤسسة العسكرية لا تنازعها فيها أي جماعة مسلحة داخل الدولة
(٥).
ان توظيف البندقية والانقلابات العسكرية في العمل السياسي مهما استبطنت من الشعارات البراقة من شاكلة الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة هي محض انتهازية وتعطيل لقضايا البناء الوطني والديمقراطية المستدامة، ويجب وأد هذه النزعات بابرام ميثاق شرف بين كل القوى السياسية الوطنية أشبه (بحلف الفضول) هدفه الاستراتيجي غرس ومأسسة الديمقراطية المستدامة وإنهاء الدورة الشريرة ، ديمقراطية، انقلاب، ثورة والتي مازت تجربة الحكم والسياسة في السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى