المقالات

عريب الرنتاوي يكتب :جولة في العقل الاستراتيجي لحماس وموقع “الطوفان” فيه

 

 

الخرطوم_ تسامح نيوز

لا يمكننا ونحن نبحر في ثنايا السابع من أكتوبر وتفاصيل “طوفان الأقصى”، أن نتعرف إلى المعاني والدلالات الأبعد والأعمق للزلزال وتداعياته، ما لم نجر جولة في العقل الاستراتيجي لحركة حماس، لمعرفة ما هي الشواغل الاستراتيجية للحركة، وما هو موقع “الطوفان” منها وفي سياقاتها… فالحدث لم يكن بحال، مسبوقاً بمثله، وما بعده ليس كما قبله.

وتُعطي الحوارات المُعمّقة مع قادة الحركة الفرصة للتعرف إلى ثلاثة شواغل / أولويات، احتلت مكانة بارزة في تفكيرهم الاستراتيجي، ومن أجل معالجتها والتصدي لها، تم إطلاق “الطوفان”، بوصفه حرباً فاصلة وكاشفة، تنطوي كأي عمل ثوري، على قدر من “المغامرة”، وإن كانت من النوع المحسوب، كما يؤكد قادة الحركة الذين أخذوا على عاتقهم كامل المسؤولية عنه وعن تداعياته.

الشاغل الأول؛ سؤال استراتيجي كبير: لماذا لم تُترجم كفاحات الشعب الفلسطيني وعذاباته طوال أزيد من مئة عام إلى مكتسبات ملموسة على الأرض الفلسطينية…ثورة تلو أخرى، انتفاضة تليها انتفاضة، حرب إثر حرب، ومعارك بين الحروب، استعدادات هائلة للتضحية والبطولة، والتزام متوارث جيلاً بعد جيل، ومع ذلك، لم ينجح الفلسطينيون في كنس الاحتلال عن أرضهم، أو ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم، إذ حتى في الشريط الضيق المعروف باسم “قطاع غزة”، ظل “التحرير” ملتبساً ما بين انسحاب وإعادة انتشار، ومثقلاً بقيود الحصار الذي أثقل كاهل ساكنيه، وأحالهم إلى أسرى في أكبر سجن مفتوح على سطح الكرة الأرضية.

صحيح أن الشعب الفلسطيني بقيادة حركاته الوطنية المتعاقبة، سجل إنجازات كبرى لا يمكن نكرانها: حافظ على هويته الوطنية في مواجهة عمليات الطمس والتبديد والإلغاء، وجدد التزامه بمشروعه الوطني، ونجح في إنتاج “كيانية خاصة” تمثله في مختلف المحافل الدولية، على الرغم من محاولات التفريغ والتهميش وحالة “الاختطاف” التي تعيشها منظمة التحرير الفلسطينية… لكن الصحيح، أن جميع هذه المكتسبات “المعنوية”، لم تنتقل بعد إلى الأرض، على صورة كيان مستقل أو دولة قابلة للحياة في إطار ممارسة “تقرير المصير”، ولا على صورة عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي شُرّدوا منها أول مرة.

ثلاثة أرباع قرن، مرت على قيام هذا الكيان الإلغائي العنصري، فيما الأرض تكاد تفلت من بين أصابع أصحابها، والحقوق تُختزل إلى مجرد ممارسة الحق في الحياة، وإن بصعوبة بالغة، والمقدسات تنتهك حرماتها في رابعة النهار، والقضية الوطنية لشعب فلسطين، في مجملها، تصبح عرضة للتهميش حتى من قبل “ذوي القربى”، ومسارات التطبيع من إبراهيمية وغير إبراهيمية، تكاد تنذر بتصفيتها كلياً، وإخضاعها لحلول تتطابق مع “المواصفات والمقاييس” الإسرائيلية الأكثر تطرفاً في إنكارها وتنكرها لشعب فلسطين وحقوقه المشروعة.

لا شيء يتحقق بالرغم من المقاومة الباسلة والصمود الأسطوري لشعب فلسطين… المسجد الأقصى يتحضر لاستقبال خطوة “التقسيم المكاني” بعد أن قُسّم في الزمان منذ أزيد من عام… الأسرى يتكدسون في معسكرات الاعتقال النازية، وبعضهم شارف على إتمام نصف قرن خلف قضبانها وفي زنازينها الموحشة… الاستيطان لا يُبقي ولا يذر، ويتهدد الأخضر واليابس، ويحيل الفلسطينيين إلى تجمعات سكانية، في بانتوستانات معزولة، مسيّجة بالجدران والحواجز ودوريات “الجيش” وميليشيات المستوطنين المدججة بالسلاح والكراهية…

حتى سلطة التنسيق الأمني، “لم يعد لها عازة”، بعد أن تولت “إسرائيل” زمام الأمن في مناطقها وقصبات مدنها، وبات يتعين على رئيسها الحصول على “موافقة أمنية” للانتقال من بيته إلى مكتبه… الحصار المضروب على غزة، طال واستطال، من دون أن يثير ذلك غضب العالم أو عتبه… لا شيء يتقدم، مع أن المقاومة تتصاعد، والفواصل الزمنية بين المعارك والحروب تتقلص، وجيلاً جديداً يبزغ من خارج “هندسات” أوسلو وطوني بلير وكيت دايتون.

عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى