
لـواء ركن (م) د. يونس محمود: عنوةً واقتدارا
لـواء ركن (م) د. يونس محمود.
بحمد الله ونصره وتوفيقه، إلتحم الجيشان، الزاحف كالسيل العرم، والمتربص الثابت كالراسيات من الجبال، في مشهد تهتز له الأفئدة، وتقشعر الجلود حماسة وإنفعالاً بهذا التلاقي البطولي الجدير بالخلود في كتاب التاريخ، أن أعلن جيش كرري منذ عبوره المشهود، وهجرته الجريئة أنه وجيش الكدرو، وجيش حطاب،
سينظفون بحري من أوشاب الجنجويد، وسيطهرونها من أرجاسهم، ويريحون الخلق من بطشهم وجرائمهم، والطريق إلى ذلك معلوم وموشى بالتحديات ومحفوف بالمخاطر، جمع فيه الجنجويد خلاصات من تبقى منهم، جاؤوا بهم من بيوت الناس التي إستوطنوها بغير حق،
وتترسوا بكل ما دفعته ( الإمارات) من عدة وعتاد، وتقمصوا أرواح ( القحاطة ) الشريرة في تمييز العدو بأنه ( الفلول ) وتقاسموا بينهم إلا مُقام لهم إذا ما قُدّر للجيش أن ينتصر، وسيتبع التراجع عن مواقعهم هذه، تراجعات لا نهاية لها.
وهكذا إنعقدت رايات التحدي، بين متحرك القوات المسلحة، المحفود بالمجاهدين من شباب كتائب ( البراء بن مالك) ، وبين الجنجويد ( الارازل ) الحمقى، الأغبياء، بتجمعاتهم القطعانية، وسلوكهم الجمعي البهيمي، وهيئاتهم المختومة بالإثم والإجرام، تراصوا على طول الطريق المحتمل،
مذبذبين بين الخوف من التهلكة، والحرص على ماعند ( آل دقلو ) من وعود، تدور أعينهم من وراء الجدر والحصون والبنايات، ظنّاً أنها مانعتهم من أمر الله الذي تنزل على أيدي رجال القوات المسلحة والقوات المشتركة، وانه لا عاصم منه،
تقدم الجحفل المظفر، من أقصى شمال بحري في قرى الجيلي، والكدرو، وإلى الإزيرقاب والحلفايا، وشمبات، تقدم كالسيل الجارف، أو الإعصار المدمر، بمحور عرضه المسافة ما بين نهر النيل غرباً وإلى دردوق شرقاً، يقلع خيام الجنجويد، ويقلب قدورهم، ويملأهم رعباً، فيتولوا أمامه فرار،
تتراكم أجداثهم النتنة في كل زاويا الطرقات، وتتناثر معداتهم التي ما أغنت عنهم شيئاً، وتتوارى إرتكازاتهم تباعاً، تحت ضغط الرجال الحقيقيين، الذين تترائى البُشريات كلما أطلوا على الناس عبر ( الفيديوهات) يحملون بندقية الشعب السوداني، ويتبنون قضيته، ويذودون عنه، ويستشهدون لأجله، لحماية دينه، وأرضه، وماله، وعرضه.
نعم إلتقى الجيشان، الجيش المتحرك من كرري وحطاب والكدرو، وجيش سلاح الإشارة بحري، سلاح الإشارة الذي حوى كل المآثر البطولية، بصموده الأسطوري، وبلائه الحسن، وصبره الجميل، وقدرته الفائقة في إدارة المعارك، التي جمع لها الجنجويد الآلاف المؤلفة،
وأرتال السيارات القتالية، وأطنان الذخائر، ما غادر مرتزق إلا وأتى به، ولا هامل مقطوع، إلا وجلبه بالقوة ، ولا مجرم موسوم إلا وأشركه في الإستهداف، وبحمد الله طاشت كل سهامه،
وهلك أغلب نفيره تحت أسوار الإشارة النارية، ولما إستيأس رأى أن يحكم عليها الحصار البعيد، وما درى أن للإشارة جيش ومعية ورفد، لا يُخلف الميعاد، ولا يتأخر عن النصرة، ولذلك تحرّكت هذه الجيوش صوب الإشارة لتحقيق عدة أهداف، أ
حدها هو الإتصال بسلاح الإشارة، وفتح الطريق من أم درمان وشمال بحري بوسطها، وثانيها مواصلة الزحف للقيادة العامة من وراء الكبري وهي بضع خطوات فقط إن شاء الله، ومنها مواصلة عمليات نظافة بحري شرقاً ، الحاج يوسف وما وراءها، في إنتظار قدوم فرسان مدني بعد تحريرها صوب العيلفون لإحكام ( مصيدة القتل) لتسجيل نظافة العاصمة من الأذى الجنجويدي بحول الله.
إن إلتحام هذه القوات حدث كبير بالمعايير العسكرية، وله من الآثار الطيبة والتداعيات الإيجابية ما ستفصح عنه الأيام، وحق لجيش الإشارة أن يفخر بنفسه، ويتبختر الهوينى كما يشاء، فما أنجزوه شرف السودان، ورفع قيمة القوات المسلحة أكثر مما هي مرفوعة أصلاً في أنفس الشعب السوداني،
وكتب بدمه، وعرقه، وصبره، وحكمة قيادته كتب صفحات من تاريخ الحروب الخاصة، حرب المدن والمناطق المبنية، ووضع نفسه وحدة مقاتلة شرسة وليس مجرد سلاح خدمي فني يوفر الإتصالات للقوات، بخلاف ما كان يحسب له.
التعابير المختلطة ما بين الفرح الطاغي باللقاء، والفخر الباذخ بالإنجاز، وشيئاً من ملامح الحزن على فقد الشهداء، وعلامات الإرهاق من طول المسير، والسهر، وقلة الزاد، تظهر لوحة السودان كله، تتزاحم فيها كل هذه العوامل، الموت، والتشرّد والنزوح، الإحساس بالقهر، وفقد الممتلكات،
وبطش وإجرام الجنجويد، الذين كلما إنهزموا غمر الفرح كل ضمير إنسان ( عدا القحاطة)، وكلما أخذوا وقُتلوا تقتيلاً ، إستراح الناس منهم، هؤلاء الشياطين الذين ألحقوا الدمار الشامل بوطن كان من أجمل الأوطان، أرضاً وموارداً وإنسانا، مزّقوه لينسجوا من أكفان موتاه رايات نصر زائفة دامية، ويصنعوا من زينة نسائه المسروقة ( عجلاً ) إسمه ( حميدتي ) ليعبدوه من دون الله.
إن هؤلاء الجنجويد ليس لهم إلا بنادق القوات المسلحة والقوات المشتركة وكل الشعب المسلح في صفوف مقاومته، حتى ينتهي هذا الإجرام بنهايتهم جميعاً، لا مجال لتفاوض أو تسامح معهم، وما بقي منهم ومن قدراتهم القتالية إلا القليل،
بشواهد ما لحق بهم من هزائم متلاحقة على أيدي القوات المسلحة والمشتركة خلال الشهرين الماضيين، في ولاية سنار، وشمال دارفور، وكردفان، وبحري وأم درمان، ومحاور ود مدني.
التحيّات والتقدير لأسود الإشارة بحري، وللمتحرك بكل عناصره، تحيّات موشاة بتباريح الأمل من الرجال، وتلويحات الفرح من النساء، وإبتسامات الأطفال.
جيش واحد شعب واحد