الصحة

صحفي يكتب عن معاناته مع كورونا ١٠  أيام مع  كورونا فى العزل

الخرطوم :تسامح نيوز
لا أدرى من أين أبدأ.. أأبدأ منذ شعورى  بالمرض.. . أم منذ تحويلى إلى مستشفى التميز.. أم منذ أن جائتنى بنتى العزيزة وهى تخطرنى بأن نتيجة الفحص إيجابى.. قالتها لى بصوت خافت وهى تحتضننى وتقبل رأسى ((كورونا يا بابا)) عندها بدأت الصدمة. صدمة فعلا..وقرر الأطباء تركيب جهاز الاكسجين  بصورة مؤقتة إلى حين البحث عن مركز للعزل يستقبلونى فيه . وأثناء تركيب أنبوب الاكسجين فى التميز إذا بصوت عربة الإسعاف يملأ الافق ضجيجا ولا صوت يعلو فوق صوته (وى.. واا. . وى.. واا..) وعندما اخبرونى انها هي التى ستقلنى إلى المركز إنتابنى شعور غريب  غلبنى اتحملو وخاصة بعد أن قرأت فى وجوه من كانوا معى فى هذه اللحظات الرهيبة ورأيت عيونهم قد أغروقت بالدموع  ودخلنى خوف لا يوصف فكأننى سأحمل إلى مثواى الأخير لحظات مرعبة ومخيفة بحق وحقيقة.. وبعد قليل جاءنى شخص يرتدى كأنما رجل فضاء لا تستطيع أن ترى ملامح وجهه  وهو يدفع النقالة ومعه أنبوب أكسجين.دخلتنى خوفة شديدة.. المنظر مخيف جدا. يجعلك تسمع ضربات قلبك. قفزت من السرير الذى كنت منوم فيه. نزعت خرطوم الاكسجين من فمى وأنفى نزعا. صرخت فى وجه رجل الإسعاف  لن تحملونى بالنقالة. سأذهب لوحدى بدون مساعدة أحد.. ورفضت ان يحملنى ذلك الملثم على ظهر النقالة  وقد تماسكت خوفا من ان يرونى أهلى ضعيفا وكأنى عاجز عن الحركة. أما الرهبة التى انتابتنى داخل الإسعاف فهذا شعور لا أستطيع وصفه.. فمنظر الإسعاف من الداخل يخيف من بداخله بكثرة الاجهزة والكمامات والخراطيم وخاصة المتدلية من أعلى والإضاءة الخافتة وصوت الإسعاف (وي.. وي.. وي).. يا لها من لحظات عصيبة.
أما ما بعد وصولى المركز . فقد تم عزلى تماما من البشر فلا يسمح لاحد من الدخول إليك إلا الممرضون والأطباء.وهم داخل ملابسهم المقنعة المخيفة. ففى العزل تشعر بأنك فى عالم آخر لا علاقة له بحياتنا العادية.. لا تدرى ملامح الكون أنحن فى نهار أم فى ليل حيث يختلط الأمر عصرا أم صباحا. وتجد خراطيم الاكسجين متدلية إلى أنوف المرضى كل حسب وضعه.. وتسمع أنين المرضى وآهاتهم تعلو فى بعض الأحيان… وفى بعض الأحيان تسمع أصوات زغاريد  هذه لمن شفاه الله وتم تخريجه من العزل مثلى. ويقوم الطاقم العامل اجمع بزفتك بالزغاريد إلى أن يوصلوك العربة التى تكون فى إنتظارك. يالها من لحظات جميلة ويقومون بتوديعك جميعهم وهم يحمدلون لك السلامة.
أما انطباعى عن المعاملة فى تلك الفترة فأشهد بان تسمية العاملين فى الحقل الطبى بملائكة الرحمة تجسدت فعلا وواقعا وحقيقة.
أهتمام كبير بمصابى الكرونا بالذات.( الدنيا لسه بخيرها) . متابعة لصيقة رغم ضعف إمكانيات مواعيننا الصحية وسهر متواصل مع المرضى لمتابعة الاكسجين وعلاجاتهم وأخذ العينات فى اوقات متقاربة.. هذا رغم خطورة معايشة مصابى الكورونا وملامستهم والاحتكاك بهم.
العاملون يملأوون المكان جيئة وذهابا طوال ال٢٤ ساعة  ليل.. نهار.. دون كلل أو ملل..أو نوم.. أو راحة…
لعن الله الكرونا داء العصر… رغم خطورته ورغم انه حصدالملايين من الأرواح إلا اننا نلاحظ ان الشعب السودانى يتعامل مع الوباء بعفوية دون أدنى مستوى من الحذر.
وانا بصفتى عايشت المرض وعرفت حجم المعاناة والألم والمشقة لك ولأهلك.. أوصيكم وأقول لكم ما قاله الرئيس اليوغندى مسفينى  لشعبه يحثه على ضرورة التعامل مع كورونا بحذر ووعى ::
.. العالم الآن فى حرب….
.. حرب بلا بنادق.. وبلا رصاص.. وبلا جنود..
الجيش فى هذه الحرب جيش بلا رحمة…
وليست لديه ذرة من اللطف البشرى.
إنه جيش عشوائى لا يحترم الأطفال.. ولا النساء ولا دور العبادة
جيش طموحه الإبادة…
جيش أجندته الوحيدة هى حصد الأرواح بلا هوادة.
لن يشعر بالرضا الا بعد تحويل العالم إلى مقبرة.
جيش ليس هناك شك فى قدرته على إنجاز هدفه هذا..
هذا الجيش هو فيروس كورونا..
نحمد الله أن لهذا الجيش نقطة ضعف ويمكن هزيمته وذلك فقط يتطلب عمل جماعى وإنضباط وصبر..
لا يستطيع كورونا الحياة فى ظل التباعد الاجتماعى،، .
أتدرون ما التباعد؟؟ المقصود به الإمتناع من التجمعات (الأفراح والمآتم والزيارات).
دعونا نمارس الصبر ونحافظ على أنفسنا وأهلنا
إن فعلنا ذلك سنستعيد حريتنا وأعمالنا وصلتنا الأجتماعية…
الحافظ الله….
.
عبدالمنعم خليفه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى