المقالات

طارق محمد عمر يكتب: مخابرات الزعيم الأزهري / قراءة ثانية

تسامح/الخرطوم

 

 

 

 

 

 

فرنسا ام الثورات المستهدفة بريطانيا العظمى وربيبتها أميركا.. تدير مععاركها من وراء حجاب. الأزهري درس الرياضيات ( مؤشر للذكاء) في الجامعة الامريكية ببيروت.. ولبنان احد اهم معاقل فرنسا ومخابراتها في المنطقة العربية.. يبدو أنه اصطفي هناك ليقود ثورة التحرير ضد المستعمر البريطاني في وطنه.

بعد عودته للبلاد والتحاقه بهيئة تدريس كلية غردون التذكارية ( جامعة الخرطوم حاليا).. فجأة أعلن أنه ينوي السفر إلى القاهرة لدراسة الحقوق.. يذكر ان المهندس / محمد أحمد المحجوب قد سافر سرا مع قافلة أبل إلى القاهرة لدراسة الحقوق .. وقد درسها وصار محاميا وزعيما سياسيا شهيرا .

لكن الأزهري درس علوم المخابرات سرا بواسطة جهاز أمن الملك/ فاروق آخر ملوك الأسرة الخديوية التي مكنتها فرنسا من حكم مصر ابتداء من العام ١٨٠٥ .. وتلقى تدريبات سياسية على يد الوفديين.. والتقى الإمام / حسن البنا زعيم ومؤسس حركة الإخوان المسلمون وحاوره .. وهي حركة اسستها فرنسا عام ١٨٨٦ لعرقلة مسيرة التمدد والنفوذ البريطاني والأمريكي .. والبنا كان من المقربين للملك .

عاد الأزهري إلى السودان وكون انساقه الأمنية وانتقي عضويتها بمهارة وأشرف بنفسه على تدريبها وإدارتها.. كان أحمد حسين الرفاعي احد ابرز معاونيه الذين سااعدوه في تكوين وإدارة تلك الانساق .. وهو أول من كشف لي حقيقة ذلك الجهاز السري وكان على فراش المرض.. وقبل أن أوثق له انتقل الى الرفيق الأعلى.

وانا صبي التقيت الأزهري كفاحا في مناسبة عزاء تخصنا بحي الموردة.. فدعاني ملاطفا ووجه لي أسئلة مدروسة مثل ما اسمك بالكامل وماذا يعمل والدك واين تسكن وماذا تاكل وتشرب وهل مسؤولي الصحة ينظفون الطرقات وكم مرة في اليوم.. واين تدرس وهل يحضرالاساتذة مبكرا وهل صرفت لكم الكتب والكراسات والأقلام…… الخ… وعندما التحقت بخدمة المخابرات أدركت أن هذه الأسئلة المتنوعة المتسلسلة لا تبدر الا من رجل مخابرات مهموم بأحوال وطنه.

والدي ولد ونشأ في بيت ديني يضم خلوتين للذكور والإناث وعمته حجوجة كانت شيخة تدرس القرآن ووالده الشيخ الكبير .. وأصبح شيخا في صباه يحفظ الطلاب القرآن ويقوم سلوكهم ويعاقبهم أن دعى الحال.. ولما التحق بخدمة البوستة صار يتانق ملبسا وعطرا مثل قادته في العمل من الإنجليز واصبح يدخن سيجار البنسون مثلهم.. لكنه لايعاقر الخمر.. وأغلب معارفه من نصارى الشام ومصر والاغريق والأقباط وهم أعوان وعيون للمستعمر.. وحرص على حضور مناسباتهم العامة والخاصة .. وفي البيت شيخا يعلمنا الدين سلوكا ومعرفة… عندما صرت صبيا كان يحدثني عن قصص ضباط المخابرات فيدهشني واشتري لنا مئات كتب القصص البوليسية .. كان يشرح لي طريقة فتح مظاريف البريد ببخار الماء أو بمسطرة حادة وإعادة إغلاقها دون أن يترك ذلك أثرا.. والتنصت على المحادثات الهاتفية فيما يعرف بالسينسر.. والإصغاء لصوت نقرات آلة التلغراف لمعرفة مضمون الرسالة فكل نقرة ترمز لحرف ابجدي .. وأوضح أنه كان حذرا من الأقباط والمصريين العاملين في البوستة لأنهم عيون للمستعمر .. وقال لي انه قبل بمدرسة البوليس لكن بعض معارفه نصحوه بأنه حال تخرجه ضابطا سيعين المستعمر فصرف النظر والتحق بالبوستة.. لكنه تمنى أن لوكان ضابطا.. وكان وثيق الصلة مع جدي إبراهيم خليل َمدير الأمن .. بعد وفاته علمت أنه كان عضوا في مخابرات الأزهري.. وأستطيع القول استنادا إلى سيرته انه كان في قسم مكافحة التجسس.

افادني العم عبد المحمود ابوصالح وهو من حي الموردة ورئيس ناديها ورجل أعمال.. انه كان من قادة هذا الجهاز وساهم في تكوين ونشر شبكاته التجسسية في كل مدينة وحي وقرية وفريق .. وأنهم كانوا يعقدون اجتماعات أسبوعية في أماكن مختلفة لمناقشة خلاصات التقارير الأمنية ويحرص الأزهري على الحضور.. وأضاف بأن عضوية الجهاز الخاص بالأزهري فقط بلغ عددها حوالي ٢٨٠ فردا.. عملوا معه في القصر الجمهوري تحت غطاء المراسم والعلاقات العامة.. وكانوا يحملون بطاقات مكتوب عليها القصر الجمهوري تمكنهم من دخول أي مكان.. وأضاف : إنه لم يكن في حاجة لبطاقة كونه شخصية معروفة.

تمكنت مخابرات الأزهري من استقطاب عديد ضباط المخابرات وعلى رأسهم إبراهيم خليل وكان هذا نصرا وفتحا ساعد على استقلال البلاد.

بعض أهل زوجة الأزهري من المصريين حلوا ضيوفا عليه بمنزله فادرك انهم مخابرات.. واوصي أهله بعدم مخالطتههم وقد تحاشي مقابلتهم إلى أن غادروا.. كان يعلم أنه مستهدف من قبلهم لاختياره الاستقلال عوضا عن الوحدة مع مصر.

الأزهري اعتاد الذهاب إلى السوق صباح كل جمعة لمقابلة أصدقائه التجار لكن في الحقيقة أنه قصد متابعة أحوال السوق بنفسه لأهميته لمعيشة المواطن.. اقتداء وتاسيا بالنبي الرسول محمد وخلفائة الميامين.

كانت مخابرات الأزهري تتبين من مدى صدقية تقارير الأجهزة الأمنية الرسمية المرفوعة إلى الرئيس الأزهري.. وتقوم بمهاام سرية خارج السودان.

رحمهم الله جميعا.

د. طارق محمد عمر.

الخرطوم في يوم السبت ٧ يناير ٢٠٢٣.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى