عريب الرنتاوي يكتب : “ستة انطباعات” عن الموقف الأوروبي من اللحظة الفلسطينية الراهنة

السبت 14 آب/ أغسطس 2021
خلال الأيام والأسابيع القليلة الفائتة، وبمناسبات متفرقة، التقيت بما يزيد عن عشرين دبلوماسياً أوروبياً، فرادى ومجتمعين، يمثلون أزيد من عشرين دولة من دول الاتحاد، بمن فيها الموفد الأوروبي الجديد لعملية السلام، ودائماً بناء على طلبٍ منهم، وللبحث في آخر المستجدات.
ولئن تعددت عناوين البحث وتنقلت ما بين ملف الإصلاح في الأردن، مروراً بنتائج زيارة الملك لواشنطن والبيئة الإقليمية والدولية المحيطة بما يمكن للأردن أن يضطلع به من أدوار أو يستردها، وانتهاءً بالوضع في إسرائيل وحكومة لبيد – بينت، إلا أنها غاصت أساساً في ثنايا المشهد الفلسطيني ودواخله، وكيف يمكن السير إلى الأمام على مختلف محاور القضية الفلسطينية المتشعبة، إن في بعدها الصراعي مع إسرائيل أو في أبعادها الداخلية.
وسأكتفي في هذه المقالة بسرد ستة انطباعات أساسية حول المواقف الأوروبية من المسألة الفلسطينية بتشعباتها، وفي الأمر أهمية مستمدة من كون أوروبا هي المانح الأكبر للسلطة الفلسطينية، وهي الأقرب لرؤية وقراءة الفلسطينيين للحل النهائي، ولأنها الأكثر حماسة لحفز مسار الإصلاح والمصالحة الفلسطيني من بين معظم إن لم نقل جميع، الأقطاب الدولية الفاعلية.
أولاً؛ ثمة “نبرة” تفاؤل بخطاب إدارة جو بايدن حيال المسألة الفلسطينية، من ضمن رؤية أكثر تفاؤلاً بإمكانية حفز التعاون والتنسيق بين ضفتي الأطلسي في ظل الإدارة الجديدة، بعد سنوات أربع عجاف من التوتر وسوء الفهم والتفاهم الذي ميّز علاقة “القارة العجوز” بإدارة ترامب…لكن “نبرة” التفاؤل تلك، سرعان ما تتضاءل، ولا أقول “تتلاشى” حين يطلب منهم الإجابة على أسئلة من نوع: مدى استعداد إدارة بايدن لاستثمار الوقت والجهد والموارد لحفز “حل الدولتين” وتجسيده؟…مدى رغبة الإدارة، وقدرتها، على ممارسة ضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، أو أقله وقف الاستيطان، من أجل جعل التهدئة ممكنة، وبهدف إنجاح مسار “بناء الثقة” بين السلطة وحكومة بينت؟…هل لدى واشنطن النية للانتقال من استراتيجية “أدارة الأزمة” و”احتوائها” وتكتيك “إطفاء الحرائق” إلى التقليب الجاد والجدي في ملفات الحل النهائي المعروفة؟…هل سنكون أقرب إلى “حل الدولتين” بعد انتهاء ولاية هذه الإدارة، أم أبعد عنه، سيما إن واصلت حكومة لبيد – بينت تصعيد سياسة الضم الزاحف و”الأسرلة” الطاردة للسكان والهادمة للمساكن الفلسطينية؟
ثانياً؛ ثمة إدراك متفاوت بين دولة وأخرى، لعمق التحولات داخل المجتمع الإسرائيلي، وما ينجم عنها من تشكيل حكومات وائتلافات يمينية غير مؤمنة بحل الدولتين، أولويتها هضم وابتلاع مزيدٍ من الأراضي والحقوق الفلسطينية، وجنوح نحو الأبارتهيد والتمييز العنصري، لكن السياسات الأوروبية عموماً، على مستوى الاتحاد والدول الأعضاء، تمليها حسابات واعتبارات أخرى، من بينها “الخشية من الابتزاز”، وغياب الضغط العربي وضعف الأداء الفلسطيني، والحاجة لضبط إيقاع المواقف الأوروبية على إيقاع الموقف الأمريكي…لكل دولة حساباتها ومصالحها واعتباراتها، التي لا تجعلها قادرة على ترجمة إدراكها للتحولات في إسرائيل إلى سياسات مغايرة.
ثالثاً؛ ثمة حالة من الانزعاج، تبلغ ضفاف “القرف” و”الخيبة” أحياناً، من أداء السلطة وترهلها وشيخوختها وفسادها، ممزوجة بحالة من القلق والتحسب للبدائل والسيناريوهات المترتبة على انهيارها، أو الخشية من فوز حماس عليها بالضربة القاضية في أول انتخابات حرة ونزيهة…ثمة مأزق سياسي -أخلاقي مركب يواجه معظم هذه البلدان: كيف يمكن المضي في تقديم أموال الضرائب لسلطة لهم عليها وعلى شرعيتها و”حوكمتها غير الرشيدة” الكثير من الملاحظات الجوهرية، وما الذي سيترتب من نتائج وتداعيات، حال تقليص هذه المساعدات أو توقفها…هنا لم أشأ أن أقترح اعتماد “الشرطية – conditionality” كمبدأ ناظم للعلاقة بين دول الاتحاد والسلطة، كون نتائجه كارثية على الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود على أرضه، وليس على السلطة فحسب، ولكنني دفعت لإبقاء أجندة المصالحة والإصلاح، حيّة وحاضرة على جدول أعمال كل لقاء أوروبي مع كل مسؤول فلسطيني، سياسي أو أمني….يجب أن يشعر هؤلاء بالتهديد، ويجب أن يساءلوا في كل لحظة، لأنهم لن يتحركوا للأمام من تلقاء أنفسهم، ولن يفعلوها إلا تحت سياط الضغط متعدد الأطراف .