المقالات

🖊️عريب الرنتاوي ✍️الجولة الخامسة من الحوار السعودي-الإيراني…إدارة الصراع توطئة لاحتوائه

الخرطوم : تسامح نبوز

انتهت في بغداد الأسبوع الفائت، الجولة الخامسة للحوار السعودي – الإيراني، بمشاركة عُمانية هذه المرة، وبتقييم للنتائج، غلبت عليه “الإيجابية” وروح التفاؤل، فيما ينتظر أن تلتئم الجولة السادسة على المستوى السياسي والدبلوماسي، بعد أن ظلت الجولات الخمس الأولى، محصورة بالجوانب الأمنية الثنائية والإقليمية.
لم تضرب الأطراف موعداً محدداً لالتئام الجولة السادسة بعد، ولم تقرر ما إذا كانت ستُعقد على مستوى وزيري خارجية البلدين، أم دون ذلك… الإبقاء على قدرٍ من “الغموض” حول هاتين المسألتين، ربما يعود إلى حرص الأطراف على مراجعة حصاد الجولات السابقة، وسبر أغوار بعضها البعض، والتأكد من مواطئ أقدامها في المرحلة المقبلة، وهي أمورٌ مفهومة تماماً، بالنظر لثقل عوامل الفرقة والتباعد بين الطرفين، وسيادة أجواء انعدام الثقة المتبادلة بينهما.
استمرار الحوار بين الجانبين، لخمس جولات صعبة، يُظهر إرادة جديدة وجدّية لديهما لإغلاق ملفات الخلاف والصراع التي شغلتهما واستنزفت الكثير من جهودهما ومواردهما، أما الانفراجة الأخيرة على هذا المسار، فتعود لجملة من العوامل:
سعودياً؛ تبدو المملكة بصدد إجراء مراجعة أوسع وأشمل من مجرد استئناف العلاقات الطبيعية مع إيران، فما أن أشيعت الأخبار المتفائلة عن جولة الحوار الخامسة، حتى كانت الرياض تتحضر لاستقبال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بزيارة هي الأولى في نوعها منذ خمس سنوات على الأقل، بلغت خلالها العلاقات السعودية – التركية أدنى مستوياتها، إن على خلفية دعم أنقرة لجماعات الإخوان المسلمين إبّان ثورات الربيع العربي، أو بفعل انحيازها لقطر في أثناء الأزمة الخليجية، أو بسبب تداعيات تصفية الكاتب والصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية السعودية في إسطنبول.
وسبق للسعودية أيضاً، أن نجحت في ترميم علاقاتها مع باكستان، بعد فترة من البرودة والفتور التي ميزت علاقات استراتيجية – تاريخية ربطت البلدين أحدهما بالآخر، سيما بعد أن شعرت المملكة بـ”الخذلان” جراء الموقف الباكستاني “المُستنكف” عن المشاركة الميدانية في الحرب على اليمن، وهو أمرٌ عوّلت عليه الرياض، وكانت تُدرجه في باب “تحصيل الحاصل”.
يأتي ذلك على خلفية “استدارات” في الموقف السعودي، ناجمة عن تبدّل في الأولويات بعد سلسلة من “الخيبات” في إدارة عددٍ من ملفات السياسة الخارجية كما حصل في اليمن وضد قطر وفي لبنان وسوريا وغيرهما، حيث خرجت الرياض بـ”قليل من الحمص من مولد” حروب الوكالة وعواصف الحزم والحسم… أما الأولويات الجديدة للمملكة فتكاد تنحصر في إنفاذ “رؤية 2030” الطموحة، ونقل السعودي إلى مرحلة ما بعد النفط والكربون، ومن متطلبات ترجمة هذه الرؤية، التي تقوم على الاستثمار والسياحة والتجارة والترانزيت وتوطين التكنولوجيا، ضمان أعلى متطلبات الهدوء والاستقرار، وفض النزاعات مع دول الجوار.
أما إيران، فلديها مصالح عميقة، في الاندماج بالاقتصاد العالمي، والخليج (المملكة) إحدى الممرات الإجبارية لفعل ذلك، وهي ترغب بالانخراط النشط في سوق النفط والغاز والطاقة، سيما إن رفعت العقوبات الدولية المفروضة عليها حال التوصل إلى اتفاق في فيينا مع المجتمع الدولي… وإيران بدورها، أدركت أن لغة “الحسم العسكري” للصراعات الإقليمية وحروب الوكالة التي ميّزت العشرية الفائتة، لم تعد صالحة في زماننا، سيما بعد أن لمست لمس اليد، أن ثمة حدوداً لطموحاتها في اليمن، وأن الأرض تكاد تميد تحت أقدام نفوذها في العراق، وأن قوة حزب الله الاستثنائية، لن تمكنه من بسط هيمنته على كل لبنان، وأن سوريا، درة تاج نفوذها الإقليمي، لن تظل ساحة نفوذ منفرد أو مهيمن لإيران وحرسها الثوري… بمعنى آخر، أن إيران قد تظل لاعباً وازناً في قوس الأزمات هذا، بيد أنها لن تتمتع بالهيمنة والتفرد بقيادة أية منظومة إقليمية، بوجود منافسين أقوياء، هم إلى جانب السعودية ومصر والإمارات، كل من تركيا وإسرائيل كذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى