المقالات

أوكرانيا.. درسان ونتيجة 🖊️ عريب الرنتاوي

تسامح نيوز/الخرطوم

 

الدرس الأول؛ وبعد تسعة أشهر من الاجتياح الروسي لأوكرانيا، يُظهر “تقادم” أسلحة الجيش الروسي التقليدية، وسوء الأداء في ميادين الحرب، وضعف التخطيط والتحكم والسيطرة، وغياب “الشهية” للقتال، لكأن كثرة كاثرة من الروس لم يشتروا حكاية “الحرب الدفاعية” عن الأمة الروسية في وجه زحف الناتو والعدوانية الأمريكية، ونظروا للحرب بوصفها “ليست حربهم”، على الضد مما تبدّى على الجانب الآخر، إذ أظهر الأوكرانيون “بسالة” نادرة في التصدي للجحافل الروسية.

الدرس الثاني؛ وربما يفيد منطقتنا بشكل خاص، أن الرهان على “التاريخ” و”الأمجاد الغابرة” بحاجة دوماً للمراجعة، فالأوكرانيون لم يتوقفوا طويلاً أمام روابط التاريخ والدين والعرق، ولم يأخذوا برواية الرئيس بوتين عن “العالم الروسي”، تماماً مثلما فعل الكويتيون زمن الاجتياح العراقي لبلادهم، إذ رفضوا حكاية “المحافظة الـ19″، وتكشفوا عن اعتزاز عميق بهويتهم الوطنية، جعل من المتعذر على الرئيس العراقي الراحل أن يجد “عميلاً ذا حيثية” في صفوفهم ينصبه “والياً” عليهم.. الهوية القومية الأوكرانية، من ضمن عوامل أخرى، كانت سبباً رئيساً في تعثر “العملية العسكرية الروسية الخاصة”.

لا يعني ذلك أن الجيش الروسي لم يعد “قوة عظمى”، لكن من المؤكد أن التحديث الذي طرأ عليه في سنوات بوتين الـ 22 شمل قطاعات لا يمكن اللجوء إليها، أولاً ودائماً، مثل أسلحة الدمار الشامل وأدوات نقلها، فمردود استخدامها ينعكس وبالاً على من يستخدمها قبل الذين ستُستخدم ضدهم..أما بقية القطاعات العسكرية، التقليدية أساساً، فقد بدت متهالكة ومتقادمة.. السلاح الروسي التقليدي هُزِم أمام السلاح الغربي – الأمريكي، وربما كان هذا أحد أهداف الحرب من منظور واشنطن.

ولا يعني ذلك أيضاً أن أوكرانيا كان بمقدورها الصمود والثبات وتكبيد جارتها الأعظم أفدح الخسائر من دون دفق المال والسلاح من الغرب، وأعجب لناطقين روس يتحدثون عن هذا الأمر وإمارات “المفاجأة” تعتلي وجوههم، لكأنهم ما علموا أن الحرب ستوفر فرصة نادرة للغرب لاستنزاف روسيا وقتل طموحها بعلاقة ندية مع الولايات المتحدة..

لكن مع ذلك تجدر ملاحظة أن الغرب، حتى وهو في ذروة “السخاء” مع كييف، ظل متمنعاً عن مدّها بأجيال من أسلحته، أكثر دقة وتدميراً وأبعد مدى، وفي الذهن بالطبع، أن الحرب يجب ألا تمتد خارج أوكرانيا، وألا تستحيل إلى مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا.

بهذا المعنى، يمكن لمنطقتنا أن تستفيد من الدرس الأوكراني الثاني، سيما دولها التوسعية، وريثة الإمبراطوريات الغابرة، فموازين القوى لا تُقاس دوماً بما تمتلكه دولة بعينها من سلاح واقتصاد وعتاد وبشر مقابل الدول “المطموع بها”، بل يجب استدخال أثر “العامل الخارجي” وتوازنات القوى والمصالح الدولية في الحساب والحسبان، وبخلاف ذلك، فإن الباب لارتكاب مغامرات وحماقات يظل مفتوحاً.

أما النتيجة التي آلت وستؤول إليها الحرب فتكمن فيما نراه من تحركات خلف الستار، واتجاه قادة الغرب، أوروبا وبعض اتجاهات إدارة بايدن، للجنوح لخيار التفاوض والحلول السياسية للأزمة..

مردّ هذا التوجه واللهجة الجديدين في الخطاب الغربي إنما يعود لقناعة ترسخت مؤخراً، مفادها أن بوتين المهزوم ربما يكون أشد خطراً من بوتين المنتصر، وأنه لا بد من ترك استراتيجية مخرج “Exit Strategy” للرجل حتى لا يلجأ لخيار شمشون: “هدم المعبد”.

قرار الانسحاب من خيرسون يشبه قرار وقف الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988، الذي وصفه الخميني في حينه بـ”تجرع السم”.. لا شك أن بوتين تجرّع السم عند اتخاذ قرار الانسحاب من عاصمة المقاطعة التي أعلنها قبل أسابيع قليلة جزءاً من السيادة الروسية، لكنه مع ذلك يفتح أفقاً لعملية سياسية، بعد أن بات ممكناً لطرفي الحرب الحصول على “صورة نصر”، وليس النصر بالضرورة..

كييف ومن خلفها الغرب برمته تحتفل بيوم استعادة خيرسون “المجيد”، وموسكو بمقدورها القول إنها لم تخرج من عمليتها الخاصة بلا حمص.. هنا يمكن التنبؤ بانفتاح بابٍ للتفاوض، وربما الجلوس إلى المائدة، حتى وإن كان الطريق للسلام بعيداً ومحفوفاً بالمصاعب والعقبات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى